سلط تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الضوء على الدروس التي يمكن للولايات المتحدة استخلاصها من التجربة اليابانية في مواجهة الهيمنة الصينية على سوق المعادن النادرة، التي تُعد أساسية في صناعة الإلكترونيات والسيارات والأسلحة المتقدمة.
ففي عام 2010، وجدت اليابان نفسها في مواجهة مباشرة مع بكين عقب حادث بحري قرب جزر متنازع عليها؛ حيث استخدمت الصين نفوذها التجاري وقيّدت تصدير المعادن النادرة إلى طوكيو آنذاك، ما جعل اليابان تدرك خطورة الارتهان لمصدر واحد، خصوصاً في ظل التوترات الجيوسياسية؛ فبدأت منذ ذلك الحين البحث عن بدائل.
وفي حين اكتشفت الولايات المتحدة هذا العام أن الصين قد تستخدم سيطرتها الخانقة على المعادن الأرضية النادرة كأداة ضغط عندما فرضت بكين ضوابط التصدير، كانت اليابان الضحية قبل 15 عامًا؛ وينبغي لأمريكا أن تأخذ العبرة وتتعلم الدرس.
هيمنة الصين
وأوضحت الصحيفة أنه قبل 4 عقود، اخترع عالم ياباني يُدعى ماساتو ساجاوا أقوى نوع من المغناطيسات الدائمة التي تحتوي على عنصر أرضي نادر يُسمى النيوديميوم؛ حيث شكل هذا الإنجاز أساس المغناطيسات المستخدمة على نطاق واسع اليوم.
وبحلول أوائل هذا القرن، أصبحت الصين، وليس اليابان، هي المسيطرة على إمدادات العناصر الأرضية النادرة الـ17، بالإضافة إلى تكرير المعادن وتصنيع المغناطيسات التي تحتوي عليها.
وفي عام 2009، كانت 85% من واردات اليابان من العناصر الأرضية النادرة تأتي من الصين.
وأضافت الصحيفة أن اليابان، رغم استثماراتها في شركة "ليناس" الأسترالية ومشاريع أخرى، ظلّت حتى العام الماضي تعتمد على الصين في نحو 70% من وارداتها من هذه المعادن، ما جعلها عرضة لتقلبات القرار الصيني من جديد؛ كما حدث في أبريل/ نيسان الماضي مع فرض قيود جديدة طالت صناعة السيارات.
وعلى الرغم من أن واشنطن، التي تضررت هي الأخرى من القيود الصينية هذا العام، تسعى اليوم لتقليص اعتمادها على بكين عبر دعم شركات أمريكية مثل "أم بي ماتيريالز" وإنشاء سلاسل إمداد بديلة داخل حدودها، لكن التجربة اليابانية توضح أن تقليص الاعتماد لا يكفي وحده؛ إذ يتطلب الأمر استثمارات بمليارات الدولارات، واستراتيجية بعيدة المدى في مجالات الإنتاج، والتكرير، وإعادة التدوير.
تنويع المصادر
ولفتت الصحيفة إلى أن اليابان، في خطوة لافتة، رفعت استثماراتها مجدداً عام 2023 في قطاع المعادن النادرة الثقيلة مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، من خلال شراكات مع شركات أوروبية وأسترالية، في محاولة لتأمين استقرار إمداداتها.
ورغم أن اليابان استغرقت أكثر من عقد من الزمن لسد الفجوة في سياستها؛ إذ استثمرت الهيئة الحكومية اليابانية عام 2023، في شركة "ليناس" حوالي 130 مليون دولار أمريكي إضافي، لكن الشركة بدأت مؤخرًا إنتاج الديسبروسيوم والتيربيوم، وسيُرسل ما يصل إلى 65% منه إلى اليابان بموجب هذه الاتفاقية.
وعلى صعيدٍ منفصل، أعلنت شركة "جوغميك" وشركة الطاقة "إيواتاني" في مارس/ آذار عن عزمهما استثمار 129 مليون دولار أمريكي، في شركة تابعة لشركة "كارستر" الفرنسية لدعم مشروعٍ يُمكن أن يُلبي خُمس طلب اليابان من الديسبروسيوم والتيربيوم.
وخلصت الصحيفة إلى أن واشنطن، مثل طوكيو من قبل، قد تجد نفسها أمام مفترق طرق؛ إمّا الرضوخ لنفوذ الصين، أو التحرك الحاسم نحو تنويع مصادرها الاستراتيجية رغم التكلفة الباهظة.