يعقد حزب الشعب الجمهوري، اليوم الجمعة، في العاصمة التركية أنقرة، مؤتمره العام الذي سينتخب فيه قيادة لأكبر أحزاب المعارضة التركية بالتزامن مع تحديات تاريخية تهدد مستقبله ومصيره بالكامل.
فالانقسام بين القيادة القديمة والجديدة لحزب الشعب الجمهوري، ظهر للعلن في صورة "صراع أجنحة"، بينما يواجه قادته الحاليين دعاوى قضائية بالفساد والتزوير والإهمال، ما يهدد قدرتهم على المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ويستمر المؤتمر 3 أيام، ويتضمن عرض برنامج عمل الحزب أمام مندوبي الفروع في المحافظات، والتي أجرت بدورها انتخاباتها الفرعية في الفترة الماضية، ومن ثم انتخاب رئيس للحزب في اليوم الثاني، وانتخاب مجلس الحزب وأعضاء المجلس التأديبي الأعلى في اليوم الثالث.
يعيش الحزب "صراع أجنحة" صامتاً منذ العام 2023، عندما انتخب زعيمه الحالي أوزغور أوزيل رئيساً للحزب في المؤتمر العادي رقم 38 بعد الفوز في تصويت مندوبي الفروع على الرئيس السابق للحزب، كمال كليتشدار أوغلو.
ومنذُ ذلك الحين، أثيرت كثير من الشكوك حول نزاهة تلك الانتخابات، وتحولت بعضها لدعاوى قضائية قدمها أعضاء في الحزب ضد أوزيل، بتهمة التلاعب في قرارات وإرادات المندوبين، ليواجه دوامة من الجلسات القضائية التي لم تنته رغم حلول موعد انعقاد المؤتمر العادي 39 اليوم الجمعة.
وطوال تلك الفترة، التزم كمال كليتشدار أوغلو الصمت، ولم يساند أوزيل في تلك الدعاوى القضائية، ما اعتُبر رضاً ورغبة منه في العودة لقيادة الحزب رغم هزيمته في الانتخابات الرئاسية العام 2023 أمام مرشح حزب العدالة والتنمية، الرئيس رجب طيب أردوغان.
لكن الأيام القليلة الماضية، شهدت تحولاً في صراع الجناحين، القديم والجديد لحزب الشعب، عندما دعا كليتشدار أوغلو في خطاب عبر الفيديو، لعدم ربط اسم الحزب بالفساد والرشوة، وانتقد موقف قيادته الأخير في عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني.
وجاء خطاب كليتشدار أوغلو، بعد غياب طويل عن الساحة السياسية، ومخاطبة أنصار الحزب، ما أثار احتمال أن يشهد مؤتمر الحزب انقساماً في التصويت بين المندوبين، وعدم ترك أوزيل مرشحاً وحيداً لرئاسة الحزب كما كان متوقعاً في السابق.
ووصف الكاتب محمود أوفور، من خلال مقال له في صحيفة "الصباح" المقربة من الحكومة، بأن خطاب كليتشدار أوغلو ليس مجرد انتقاد، بل هو "موقف سياسي وبداية صفحة سياسية جديدة لحزب الشعب الجمهوري".
ويواجه 3 من أبرز قادة الحزب، دعاوى قضائية وتهم فساد وسوء إدارة وتلاعب بالتصويت، بينما يقبع نحو 15 رئيس بلدية رئيسة وفرعية تابعين له في السجن بتهم مماثلة.
ويتصدر أكرم إمام أوغلو قائمة قادة الحزب من ناحية الأهمية منذ فوزه في انتخابات بلدية إسطنبول في دورتين متتاليتين عامي 2019 و2024، ومن ثم اختيار حزبه له ليكون مرشح رئاسة الجمهورية في انتخابات يطالب الحزب بعقدها في وقت مبكر بدلاً من عام 2028.
لكن ذلك المرشح الرئاسي مسجون، حالياً، بتهم فساد وتلاعب في المناقصات، وتطالب النيابة العامة بسجنه نحو 2500 عام في نحو 150 قضية يتهم فيها أكثر من 400 شخص، بينهم 105 يحاكمون وهم داخل السجن.
كما يواجه رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، والذي يعد المرشح البديل للرئاسة في حال تعذرت مشاركة إمام أوغلو، دعوى قضائية بتهم الإهمال وسوء الإدارة، وقد بدأت تأخذ، في الأيام الماضية، مساراً يهدد سمعة يافاش الذي يتمتع بشعبية في أنقرة، أهلته للفوز في دورتين متتاليتين أيضاً بعد هزيمة مرشحي حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وفي السياق ذاته، فإن رئيس فرع حزب الشعب في إسطنبول، وهو أكبر الفروع وأكثرها تأثيراً، أوزغور تشيليك، لا يمارس مهامه في مقر فرع الحزب الذي يخضع لإدارة وصي عينته المحكمة، وهو عضو في الحزب ذاته، ريثما ينتهي البت قضائياً بتهم تشكك بشرعية فوز تشيليك في انتخابات الفرع عام 2023.
تشكل تهم الفساد التي يواجهها أكرم إمام أوغلو، تهديداً لمصير حزب الشعب الجمهوري ذاته، بعد أن شملت لائحة الاتهامات إشارات لكون إمام أوغلو حاول السيطرة على الحزب وسياسته وترشيح نفسه لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية ممثلاً عن الحزب.
وجاء في جانب مثير من اللائحة التي صدرت قبل أسبوعين، وقبلتها المحكمة، إخطاراً موجهاً من مكتب المدعي العام في إسطنبول إلى مكتب المدعي العام في محكمة الاستئناف العليا، يشير لوجود مخالفات مالية من قبل حزب الشعب الجمهوري، ما اعتُبر طلبًا قانونيًّا بإغلاق الحزب وفق الدستور.
يقول قادة حزب الشعب الجمهوري، إن كل التهم والدعاوى القضائية ضد حزبهم وقياداته، ذات طابع سياسي، ويتهمون الحزب الحاكم بالوقوف خلفها عبر تسييس القضاء، بينما تنفي الحكومة تلك الاتهامات، ويقول الحزب الحاكم إن الانقسام يسيطر على حزب الشعب بينما ينظر قضاء مستقل في تهم الفساد لرؤساء بلدياته.
ونجح أوزغور أوزيل في حشد أنصار الحزب منذ شهر مارس/آذار الماضي، عندما اعتقلت الشرطة إمام أوغلو، ونظم عشرات الاحتجاجات والمظاهرات في إسطنبول ومدن تركية أخرى، لدعم إمام أوغلو، والمطالبة ببث جلسات محاكمته عبر التلفزيون الحكومي.
ومن شأن نجاحه في قيادة حزبه لعقد مؤتمره العام رقم 39 دون انقسام وتشكيك في النتائج، أن يمهد لبدء مرحلة جديدة تخف فيها الضغوط القضائية التي يواجهها الحزب، والاستعداد لمسار طويل في محاكمة إمام أوغلو، التي شكلت محور نشاط الحزب في الأشهر الماضية.