أعاد اتفاق السلام الأذربيجاني-الأرميني الأخير في البيت الأبيض زخمًا جديدًا لمساعي السلام في جنوب القوقاز، وفتح الباب أمام تسارع جهود التطبيع بين يريفان وأنقرة، إلَّا أن تحقيق تقدم ملموس قد يصطدم بمتطلبات صعبة.
وكشف "جيمس تاون فاونديشن" أن تحقيق المصالحة التركية-الأرمينية يرتبط بعدة شروط جوهرية: تقديم تنازلات رمزية وقانونية من الأطراف المعنية، وضمان الالتزام الفعلي بفتح ممرات النقل الحيوية، وإدارة ردود الفعل الداخلية المتباينة داخل كل دولة.
وبحسب مصادر، فإن الأسابيع الأخيرة شهدت خطوات عملية ملموسة، حيث التقى المبعوثان الخاصان لتسهيل العلاقات، السفير التركي السابق سيردار كيليك ونائب رئيس الجمعية الوطنية الأرمينية روبين روبينيان، في يريفان يوم 12 سبتمبر، في إطار متابعة مباشرة للتفاهمات التي أُعلن عنها بعد لقاء واشنطن.
وأوضح البيان المشترك استمرار جهود التطبيع، بما في ذلك إعادة تشغيل خط السكة الحديد بين قارص التركية وغيومري الأرمينية، وفتح المعابر البرية للدبلوماسيين والمواطنين من دول ثالثة، إلى جانب مقترحات للتعاون في مجالات التعليم وزيادة الرحلات الجوية.
تاريخيًا، بقيت الحدود التركية–الأرمينية مغلقة منذ العام 1993، في سياق دعم أنقرة لموقف باكو أثناء الحرب على كاراباخ. وبعد حرب 2020، التي أعادت سيطرة أذربيجان على الأراضي المتنازع عليها، أصبح تطبيع العلاقات مع أنقرة مرتبطًا مباشرة بتسوية العلاقات مع أذربيجان، وهو ما يؤكد التسلسل الاستراتيجي الضروري لتحقيق السلام المستدام.
وعلى الصعيد الرمزي، اتخذت يريفان خطوات حساسة، مثل إزالة صورة جبل أرارات من الطوابع الحدودية الأرمينية، فيما أثار القرار ردود فعل قوية بين المعارضة؛ ما يوضح أن أي تقدم دبلوماسي لن يكون منفصلًا عن الضغوط الداخلية، ويشير مراقبون إلى أن قدرة القيادة على امتصاص هذه التوترات الداخلية ستكون حاسمة لضمان استمرار العملية السياسية والتزام الأطراف بالخطوات العملية.
إضافةً إلى ذلك، يشكل الممر الدولي بين أذربيجان وناخجوان عبر أرمينيا، المعروف باسم "ممر زانجيزور" أو "مسار ترامب للسلام والازدهار الدولي" (TRIPP)، عنصرًا محوريًا لنجاح الاتفاقية الجديدة بين يريفان وباكو، حيث يمثل ضمانًا لفتح المواصلات بين الدول الثلاث، ويعد مؤشرًا واضحًا على التطبيق الفعلي للاتفاقيات المعلنة.
وفي الوقت نفسه، تظل العلاقات الاقتصادية والإنسانية رمزية، لكنها تلعب دورًا مهمًا في اختبار جدية الأطراف: التجارة غير المباشرة عبر جورجيا، افتتاح متاجر تركية في يريفان، وتقديم المساعدات الإنسانية لتركيا وسوريا، كلها خطوات تؤكد استعداد الأطراف لتقريب المسافات العملية قبل السياسية.
لكن يبقى السؤال الجوهري: هل سيتمكن القادة الثلاثة من تحويل هذا الزخم الدبلوماسي إلى واقع مستدام، يجمع بين التنازلات الرمزية والالتزام القانوني وضمانات النقل، بينما يوازن كل منهم بين مصالحه الداخلية والخارجية، أم أن التحديات الرمزية والسياسية ستظلّ عقبة أمام السلام الشامل؟