اعتبر خبراء فرنسيون أن فرض بولندا قيودًا حدودية جديدة يعكس "أزمة ثقة" متنامية داخل الفضاء الأوروبي المشترك، ويعيد طرح التساؤلات حول مستقبل اتفاقية "شنغن".
ودخلت القيود الحدودية التي فرضتها بولندا على حدودها مع ألمانيا وليتوانيا حيز التنفيذ يوم الاثنين، في خطوة قالت وارسو إنها تهدف إلى كبح موجات الهجرة غير الشرعية، وهو إجراء قد يستمر مبدئيًا حتى 5 أغسطس/آب مع احتمالية التمديد، وفق ما أكده مسؤولون بولنديون.
القرار الذي أعلنه رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، في الأول من يوليو/تموز، يشمل إقامة 52 نقطة تفتيش على الحدود الألمانية و13 نقطة على الحدود الليتوانية.
وستُجرى عمليات التفتيش بشكل عشوائي، وتستهدف أساسًا المركبات التي تقل أكثر من راكب، بحسب حرس الحدود البولنديين.
يرى الباحث الفرنسي أوليفييه بورديون، أستاذ الجغرافيا السياسية للهجرة في جامعة السوربون، أن هذه التطورات تمثل "ضربة جديدة لمنظومة شنغن التي تتعرض للتآكل التدريجي منذ أزمة اللاجئين في 2015".
وأضاف بورديون، لـ"إرم نيوز"، أن"الانتقال من حرية التنقل إلى منطق التفتيش والسيادة الوطنية يفتح الباب أمام انهيار فعلي لنظام قائم على الثقة المتبادلة".
واعتبرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في تعليقها على الإجراء البولندي أن "فضاء شنغن يدخل أزمة جديدة"، بينما أرجعت قناة "فرانس 24" هذه الخطوة إلى تصاعد الخلافات مع ألمانيا.
وبدأت ألمانيا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 تنفيذ رقابة على حدودها الشرقية، وتفاقمت بعد وصول المستشار المحافظ فريدريش ميرتس إلى الحكم، الذي اتهم بولندا بعدم ضبط حدودها الخارجية بالشكل المطلوب.
ولم يأتِ القرار البولندي دون ثمن سياسي داخلي، فقد واجه رئيس وزراء بولندا دونالد توسك ضغوطًا متزايدة من المعارضة القومية واليمينية المتطرفة، التي تتهمه بـ"الخضوع" للإملاءات الألمانية في ملف الهجرة.
في المقابل، يرى سياسيون محليون، بينهم نائب عمدة مدينة سلوبتشي الحدودية، أن هذه الخطوة تمثل "تراجعًا عن مبادئ أوروبا الموحدة".
وبلغت الأزمة حد تحرك جماعات يمينية متطرفة لتنظيم "دوريات أهلية" غير مرخصة عند الحدود لمنع دخول المهاجرين، ما دفع الحكومة البولندية إلى التدخل واعتبار هذه التحركات "غير قانونية ومزعزعة للأمن"، وفق ما نقلته مجلة "بوليتيكو".
أما أنطوان لامبيرت، الباحث في مركز الدراسات الأوروبية بباريس، فيرى أن "الربط المستمر بين الهجرة والإرهاب أو الفوضى الاجتماعية أصبح أداة انتخابية بيد التيارات الشعبوية، والنتيجة هي تمزيق الاتفاقيات الأوروبية من الداخل".
وتوقع لامبيرت، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن نشهد "مزيدًا من الإجراءات الأحادية من دول أعضاء خلال الشهور المقبلة، ما لم تُحدث شنغن أدواتها القانونية للتعامل مع الأزمات الجديدة".
وأوضح أن "القوانين الأوروبية تتيح فرض قيود مؤقتة على الحدود في حالات استثنائية، مثل الأزمات الصحية أو التهديدات الأمنية، لكن تكرار هذه الإجراءات في غياب أزمة واضحة بات يثير التساؤلات حول مدى التزام الدول الأعضاء بروح الاتفاق".
ويشير وزير الداخلية البولندي، توماش سييمونياك، إلى أن هذه الإجراءات "ضرورية في الوقت الراهن"، رغم الجدل بشأن مدى توافقها مع توجيهات شنغن.
واعتبرت "يورونيوز" هذا التصريح انعكاسًا لتحول دراماتيكي في موقف بولندا، التي كانت من أشد المدافعين عن حرية التنقل مطلع الألفية.