ركز تقرير لمجلة "فورين أفيرز" على مخاطر الانسحاب السريع للقوات الأمريكية من أوروبا، بدافع من أجندة الرئيس دونالد ترامب ومراجعات البنتاغون الشاملة لوضع القوات.
وقالت المجلة إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أتم الاستعداد لاستغلال الفراغ في أوروبا الذي قد يُخلفه أي انسحاب أمريكي مُفاجئ".
وأضافت أنه "وسط مخاوف من أن يُفسد ترامب أجندة عادية لقمة الناتو في لاهاي قبل أسبوعين، قلّص قادة الناتو برنامجهم بشكل كبير، مُستبعدين بذلك النقاشات الحادة حول قضايا مثل دعم أوكرانيا، وعلاقات الناتو مع روسيا، والهجمات الروسية الهجينة في أوروبا".
وفي حين تُعزز أوروبا حضورها بشكل كبير، وتتزايد ميزانيات الدفاع، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت لزيادة الإنتاج وتوفير القدرات التي توفرها الولايات المتحدة حالياً في القارة.
وبينما قد ترى الولايات المتحدة أنه من المناسب إجراء بعض التعديلات على قواتها في أوروبا، بما يسمح لها بتعزيز وضعها الدفاعي في آسيا لمواجهة التهديدات المتزايدة من الصين، لكن على واشنطن التخطيط بعناية لأي تحول من هذا القبيل، مع إبقاء القوات الأمريكية في مكانها لفترة كافية تُمكّن الأوروبيين من العمل على سد الثغرات القادمة والحفاظ على قوة ردعهم القوية ضد روسيا، بحسب المجلة.
وأكدت "ضرورة أن يتم التنسيق الوثيق لأي تخفيض في عدد القوات مع السلطات العسكرية لحلف الناتو، وأن يتفق الحلفاء سابقًا على تغطية القدرات المفقودة. وإلا سيميل الرئيس الروسي بوتين إلى استغلال ضعف التحالف".
وأشارت المجلة إلى أن "موقف إدارة ترامب تجاه روسيا يُغذّي مخاوف حلفاء الناتو بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه أوروبا، إذ يُبدي ترامب ترددًا في وصف روسيا بالتهديد"، مُكتفيًا بتسمية بوتين "بالرجل الصالح"، ومُوضحًا هدفه في تطبيع العلاقات الأمريكية مع موسكو.
وفي حين اعتمد "الناتو" بشكل مفرط على الولايات المتحدة في قدراته العسكرية منذ تأسيسه عام 1949، فإنه في حال إزالة القدرات العسكرية الأمريكية من خطط دفاع الحلف، لن تتمكن أوروبا من سد الثغرات الناتجة بسرعة، ما يخلق نقاط ضعف قد تغري بوتين باستغلالها.
وعلى سبيل المثال، تُعدّ منصات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الأمريكية أساسيةً لرصد "الناتو" للنشاط الروسي، وانسحابها سيُعرّض الحلفَ لهجمات روسية هجينة، مثل تخريب الكابلات البحرية، والتشويش عليها، والهجمات الإلكترونية.
وكما لا تزال أوروبا تعتمد اعتمادًا كبيرًا على ناقلات الوقود الأمريكية جوًا، وطائرات النقل الثقيل، وغيرها من "الأدوات الاستراتيجية" لنقل القوات عبر القارة وتزويدها بمعلومات استخباراتية من ساحة المعركة.
ورجحت المجلة أن "يرى الكرملين في الانسحاب الأمريكي السريع من أوروبا فرصة ذهبية، إذ إن موسكو سعت على الدوام إلى تقويض حلف الناتو، معتبرةً انهياره خطوةً حاسمةً نحو إعادة تأكيد مكانة روسيا كقوة عالمية".
والأمر الأكثر إلحاحًا هو أن الكرملين سيستغل أي انسحاب أمريكي لتضخيم قلق الأوروبيين من تخلي واشنطن عنهم. ومع شعور أوروبا بالضعف، ستُصعّد موسكو من تكتيكاتها لترهيب الجماهير الأوروبية والضغط على حكوماتها لتكون أكثر مرونةً مع موسكو.
ومع إدراك روسيا وجود فجوات في القوات التقليدية لحلف "الناتو"، من المرجح أن تصبح موسكو أكثر استعدادًا للمخاطرة لتحقيق أهدافها، إذ سيسعى بوتين فورًا إلى زيادة أنشطة المنطقة الرمادية في أوروبا، مثل قطع الكابلات وغيرها من أشكال التخريب.
وخلُصت المجلة إلى أن "روسيا لن ترحل، وسيستغرق تعزيز أوروبا وقتًا. وإذا خططت الولايات المتحدة لخفض انتشار قواتها في أوروبا، فإن مجرد إخطار الحلف بمثل هذا التغيير لن يكون كافيًا لضمان استمرار قدرة الناتو على حماية أعضائه".
وفي حين أن التراجع في الوقت الذي تعزز فيه روسيا قدراتها العسكرية وقبل أن تكون أوروبا مستعدة للدفاع عن نفسها من شأنه أن يشجع الكرملين ويزيد من خطر اندلاع حرب أخرى هذه المرة في عهد ترامب، فإن أفضل طريقة لمنع حرب مستقبلية في أوروبا هي التحقق من أن موسكو لن تجرؤ أبدًا على بدء حرب.
ويتطلب من واشنطن وشركائها الأوروبيين تصميم عملية تسليم دقيقة ومنسقة، بحيث يتعين على الولايات المتحدة أن تخبر شركاءها على وجه التحديد أين ستكون أي فجوات جديدة قبل وقت طويل من ظهورها.