اعتبر خبراء فرنسيون، أن مشهد اليمين المتطرف في فرنسا يدخل مرحلة تحول دقيقة، مع إعلان مارين لوبان احتمال عدم ترشحها للرئاسة بسبب حكم قضائي بالإقصاء، وتوجيهها الدعوة رسميًا إلى جوردان بارديلا للاستعداد لخوض السباق بدلاً عنها.
ويضع هذا التحول المفاجئ "التجمع الوطني"، الذي يترأسه حاليًا بارديلا، أمام مفترق طرق سياسي، قد يعيد تشكيل استراتيجيته بالكامل قبل انتخابات 2027.
وبعدما صعدت ثلاث مرات متتالية إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية دون أن تنجح في الوصول إلى قصر الإليزيه، بدأت لوبان، بالتفكير علنًا في "اليوم الذي قد لا تكون فيه مرشحة".
وفي مقابلة نشرتها مجلة "Valeurs actuelles" اليمينية، كشفت لوبان أنها طلبت من بارديلا، أن "يستعد لاحتمالية الترشح للرئاسة في حال لم يُسمح لها بذلك قضائيًا".
وتأتي هذه التصريحات بعد صدور حكم ضد لوبان في شهر آذار/مارس 2025 يقضي بإقصائها من الترشح للمناصب العامة لمدة 5 سنوات، بسبب إدارتها لنظام احتيالي دفع من خلاله البرلمان الأوروبي رواتب لموظفين في الحزب بين 2004 و2016، فيما قدرت قيمة الاحتيال بـ 4.4 مليون يورو.
الحكم قيد الاستئناف حاليًا، ومن المتوقع أن تصدر محكمة الاستئناف في باريس قرارها صيف 2026.
ورغم آمالها في التبرئة، أكدت لوبان أنها أخذت بعين الاعتبار فرضية الاستبعاد، وأنها "ستدخل مع جوردان، في حملة تمهيدية حتى موعد المحاكمة، ثم نبدأ الحملة الرسمية معًا، أيًّا كان القرار".
ورغم هذا التفاهم الظاهري، لم تخلُ العلاقة بين الاثنين من التوترات، ففي شهر نيسان/أبريل الماضي، سخرت لوبان من طموحات بارديلا، قائلة: "لست متأكدة أنه يعرف جيدًا مشاكل كاليدونيا الجديدة".
وفي المقابل، رد بارديلا من باريس بأن التصريح "أُخرج من سياقه"، مؤكدًا أنه يتابع ملفات ما وراء البحار عن كثب، لكن التوتر سرعان ما خف، وبدأ الثنائي يظهر بصورة منسجمة أمام الرأي العام.
وفي شهر حزيران/يونيو الجاري، استضافا سويًا قادة اليمين المتطرف الأوروبي ضمن تكتل "الوطنيون من أجل أوروبا"، بمن فيهم فيكتور أوربان وماتيو سالفيني وخيرت فيلدرز.
كما شاركا في معرض لو بورجيه الجوي وهما يتجولان سويًا أمام عدسات الصحافة، محاولين نفي أي شائعات عن خلاف داخلي.
وقال الباحث الفرنسي لوران بوكار، المختص في شؤون اليمين المتطرف في معهد "سيانس بو"، إن لوبان "تسعى لحماية الحزب من فراغ سياسي في حال تم تثبيت إقصائها"، معتبرًا أن هذه "التحضيرات المبكرة تعكس إدراكًا داخليًا بوجود أزمة قيادة محتملة".
وأشار في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن "مارين لوبان لم تسلم الراية بعد، لكنها تُعد خطة طوارئ قد تصبح واقعًا حتميًا خلال أشهر".
بدورها رأت الباحثة أنا سوبلير، من مركز "تحليل الحياة السياسية الفرنسية"، أن "النقاش حول شرعية ترشح بارديلا سيعيد فتح ملف القيادة داخل الحزب"، مشيرة إلى أن هناك داخل الحزب "من لا يزال يرى أن تأييد بارديلا قائم فقط على شرعية موروثة من لوبان، وليس كاريزما سياسية مستقلة".
وبيّنت في تصريحات لـ"إرم نيوز" أنه على ما يبدو أن حزب "التجمع الوطني" بات يواجه أحد أصعب اختباراته، ليس فقط في الساحة الانتخابية، بل داخل صفوفه، مع مستقبل معلق بين قرارات المحاكم، واستعدادات بديلة قد تضع جوردان بارديلا في موقع المرشح الرئاسي المقبل، وربما الزعيم الفعلي لليمين المتطرف في فرنسا.
من جهته، قال الخبير القانوني والسياسي فرانسوا لامي، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة باريس الثانية، إن "حالة مارين لوبان تضع القضاء الفرنسي أمام اختبار بالغ الحساسية، إذ إن تنفيذ الحكم بالإقصاء السياسي لزعيمة كتلة كبرى قد يُفسَّر من جانب مؤيديها كأداة إقصاء سياسي مغلّفة بالقانون".
وأضاف في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "النظام القضائي الفرنسي مستقل، لكن في حالة مارين لوبان، فإن التوقيت السياسي للحكم سيكون له وقع هائل، وقد يستخدمه حزبها لإحياء سردية المظلومية السياسية، ما يمنح بارديلا شرعية بديلة تقوم على النيابة عن ضحية سياسية، وليس على مشروع مستقل أو خبرة سياسية ميدانية".
ولفت لامي إلى أنه "إذا تم تثبيت الحكم، فسنشهد على الأرجح حملة تقوم على عبارات مثل المرشح المعين من لوبان أو خليفة المشروع القومي، لكن دون المرور بالاختبار الشعبي الداخلي، وهذا يفتح الباب أمام إشكالية شرعية التمثيل داخل حزب يُروّج للسلطة عبر الشعب، بينما يُغلق الباب أمام منافسة داخلية حقيقية".