يذهب خبراء إلى أن مؤشرات الأزمة النووية الإيرانية تتجه نحو المفاوضات المباشرة بين طهران والولايات المتحدة الأمريكية، رغم التصعيد الذي يصل إلى حد الملاسنات والتهديدات.
ويتصور الخبراء، خلال تصريحاتهم لـ"إرم نيوز"، أن الأمر يتعلق بترشيد القدرات النووية الإيرانية وفقا للشروط والضوابط لتقويض أية نية لطهران في تصنيع أو امتلاك السلاح النووي، في إطار خلق نسخة جديدة لشرق أوسط خالٍ من إيران شرسة بعد تحجيمها وتكسير أذرعتها.
"تمثيلية جديدة"
ويرى، اللواء متقاعد بالمخابرات الحربية المصرية د. نصر سالم، أن حالة التحشيد الأمريكية الاستثنائية من أم القاذفات "بي 52" وحاملة الطائرات الجديدة، استباق أمريكي متعمد من الرئيس ترامب لزيارته المقبلة للمنطقة، وتأكيد للجاهزية الأمريكية للدفاع عن الشرق الأوسط.
وأكد اللواء المصري أنه حتى لو ضرب ترامب إيران، وهذا مستبعد، ستكون هجمات عن بعد ومنسقة معها، وبالترتيب مع إسرائيل، التي يحاول ترامب تهدئتها وإبعادها عن المشهد، كما فعل فيما يتعلق بمواجهة ميليشيا الحوثيين.
وشدد اللواء سالم على أن إيران لو ضربت القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، فلن يستمر الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض شهرا، لأنها ستكون كارثة كبيرة، هذا لو كانت المواجهة حقيقية، لكن واضح جدا أنها تمثيلية جديدة.
"تمثيلية هزلية"
وأشار سالم إلى أن القيادة الإيرانية روّجت إلى أنها من الممكن أن تتحمّل خسائر بشرية تصل حتى 3 ملايين إيراني، لكن في المقابل كم تستطيع الإدارة الأمريكية والإسرائيليون تحمل خسائر بشرية ومادية، خاصة أن التهديدات الإيرانية تصل حتى قاعدة المحيط الهندي الاستراتيجية ومفاصل إسرائيل وأبرزها مفاعل ديمونة.
وتابع الخبير المخابراتي المصري أننا نتحدث حول هذا الهجوم منذ 10 سنوات على الأقل إن كان مشتركا بين أمريكا وإسرائيل، أو منفردا من أي منهما، وكلاهما يعدان له منذ سنوات طويلة، لكنه لا يتم، لأن الثلاثي يعرف مصلحته من استمرار هذه الحالة، وحتى لو حدث هجوم سيكون من نوعية "التمثيلية الهزلية" التي عاصرناها خلال النصف الثاني من العام الماضي.
وفي النطاق نفسه، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن الهدف هو عدم حصول إيران على أسلحة نووية، لكننا من الممكن أن ننتظر لنرى المسار الدبلوماسي ونتائجه.
ويأتي هذا وسط تساؤلات عن تغير الموقف الإسرائيلي بعد المطالب المتكررة من تل أبيب بضرب الولايات المتحدة لإيران بعد نجاحها في اليمن، أو القيام بعمل مشترك بين أمريكا وإسرائيل؛ لأن تل أبيب ليس لديها القنابل المناسبة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
"تصريحات للاستهلاك المحلي"
ومن ناحيته قال د. سعيد الصباغ رئيس المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، إنه على الرغم من أي تصريحات إيرانية ترفض المفاوضات المباشرة، إلا أن فهمي لطبيعة الفكر الاستراتيجي الإيراني يجعلني أؤكد أن هذه التصريحات موجهة للداخل ضمن ما يمكن أن نصفه بالاستهلاك المحلي وحفظا لماء الوجه. "خاصة أن التصريحات الأمريكية بشأن إيران وبرنامجها النووي مهينة للكرامة الوطنية، وتنطوي على تهديد وغطرسة لا تقبلها أية دولة في العالم"، وفق تقدير الخبير المصري.
ويتوقع الصباغ أن المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطهران هي السيناريو المرتقب، خاصة أنها رغبة دولية من أصدقاء إيران أيضا، كما أنها رغبة الدول الأوروبية الثلاث الأطراف في اتفاق 2015م بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وذلك بعد مفاوضات إيران مع هذه الترويكا الأوروبية الناجحة.
ويقول الخبير المتخصص في الشؤون الإيرانية، تابعت الرسائل الأخيرة القادمة من طهران، التي انطوت على إشارات تؤكد أن التقديرات السياسية والعسكرية لدى الدولة الإيرانية تفيد بعدم توجيه ضربة عسكرية لإيران. لكن يصر أعداء إيران على إدخالها دائرة الفوضى.
ويضيف الصباغ، أن هذا يعني أن ثمة اتصالات إيرانية مع الأطراف جميعها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أبلغت خلالها طهران موافقتها على الشروط الأمريكية والإسرائيلية بشأن طبيعة البرنامج النووي. وربما يمتد الأمر إلى البرنامج الصاروخي، إضافة إلى ما تبقى من أشلاء نفوذ إيران الإقليمي في العراق ولبنان وسوريا والأهم في اليمن.
ضغوط قصوى
وأوضح الخبير المصري أن البروباغندا المتعلقة بتوجيه ضربة لإيران يمكن أن تدخل ضمن عملية الضغط القصوى للحصول على أفضل النتائج السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية. ناهيك عن تسوية المواقف الإقليمية بما يضمن لإسرائيل أمنها وتفوقها ولحلفاء الولايات المتحدة، حسب الصباغ.
ويشير الخبير المصري، إلى أن الولايات المتحدة ضمنت لإسرائيل القدرة على تشكيل الملامح الجديدة لشرق أوسط خالٍ من إيران ومحور مقاومتها، والانفراد الأمريكي الغربي بمسؤولية أمن باب المندب وسلاسل الإمداد دون الصين وروسيا. وبررت للعالم ضرورة عسكرة البحر الأحمر وتأكيد التحالف الاسرائيلي الإقليمي الأمني والتنسيق مع الأطراف الأخرى.
وأضاف الصباغ أن احتمالات الضربة الأمريكية الإسرائيلية المشتركة أو الإسرائيلية المنفردة مستبعدة في الوقت الراهن، اللهم إلا إذا فشلت المفاوضات.
ويرى الصباغ أنه في النهاية وبعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الست "أمريكا روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا"، سوف يتم إسقاط النظام الإيراني نفسه، رغم أنه من المفروض مكافأته بالبقاء. وفق الصباغ.