رأى متابعون للشأن السياسي في العراق أن إعلان تشكيل كتلة "الإعمار والتنمية" داخل مجلس النواب، لا ينفصل عن الحراك المتصاعد استعدادًا للانتخابات التشريعية المقبلة، وسط تزايد الحديث عن الكتلة الأكبر، وإعادة ترتيب التحالفات داخل البيت الشيعي.
وتضم الكتلة الجديدة أكثر من 50 نائبًا، ما يجعلها واحدة من أكبر التكتلات النيابية التي تشكلت منذ انطلاق الدورة التشريعية الحالية في عام 2022.
واستقطبت الكتلة الجديدة الداعمة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، نوابًا من خلفيات سياسية متنوعة، بينهم مستقلون ومنشقون عن كتل شيعية وسنية، ما يكشف رغبة واضحة في تجاوز الاصطفافات التقليدية وتشكيل تكتل داعم للحكومة من داخل البرلمان، لكن دون يافطة حزبية واضحة.
من جهته، قال المتحدث باسم الكتلة، النائب فراس المسلماوي، إن "كتلة الإعمار والتنمية جاءت استجابة لحاجة داخل البرلمان لتوحيد الجهود التشريعية والرقابية الداعمة للإصلاح، وتعزيز الاستقرار السياسي من خلال مشروع وطني يتجاوز الشعارات".
وأضاف المسلماوي لـ"إرم نيوز" أن "الكتلة تضع على عاتقها مهامًا محددة تتعلق بتشريع القوانين الاقتصادية، وصياغة خارطة تشريعية داعمة للإعمار وتوزيع الثروات بعدالة، إلى جانب الدور الرقابي الفاعل في محاربة الفساد، ومتابعة الأداء الحكومي بموضوعية ومسؤولية".
ويأتي الإعلان عن الكتلة الجديدة قبل أقل من ثلاثة أشهر على موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة، ما يضفي على هذه الخطوة طابعًا انتخابيًا بامتياز، خصوصًا أن بعض أعضائها مرشحون بارزون في دوائرهم، ويسعون إلى تأكيد موقعهم في المشهد السياسي المقبل.
وتشير تحليلات إلى أن هذا التجمع النيابي الجديد يسعى من جهة إلى منح رئيس الوزراء غطاءً برلمانيًا واضحًا.
من جهة أخرى إلى التأكيد على وجود تكتل يستطيع الدخول في مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، خصوصًا في حال لم يتمكن أي تحالف تقليدي من نيل الأغلبية.
وقال الباحث في الشأن السياسي عماد محمد إن "إعلان الكتلة البرلمانية يأتي في سياقين متداخلين؛ الأول هو المنافسة السياسية على موقع الكتلة الأكبر داخل البرلمان الحالي، والثاني يرتبط بالتحضير المسبق لمفاوضات ما بعد الانتخابات، وتحديدًا بخصوص تشكيل الحكومة المقبلة".
وأضاف محمد لـ"إرم نيوز" أن "البيئة السياسية في العراق باتت تميل أكثر إلى الكتل الوسطية المرنة التي تجمع نوابًا من خلفيات متعددة، وهو ما تحاول هذه الكتلة تجسيده، لكن في الوقت نفسه لا يمكن فصل هذا الحراك عن الطموحات السياسية للسوداني وتياره، خصوصًا إذا ما أُعيد تكليفه بعد الانتخابات".
ويُعدّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أبرز المستفيدين من تشكيل هذه الكتلة، إذ تمنحه دعمًا تشريعيًا واضحًا في الأشهر الأخيرة من ولايته، وتمنح فريقه الانتخابي منصة سياسية قادرة على الدفاع عن منجز الحكومة، وتوسيع دائرة التحالفات المستقبلية.
وكان السوداني قد دخل منصبه في أكتوبر 2022 بدعم من تحالف "الإطار التنسيقي"، لكن العلاقة بين الجانبين شهدت محطات متوترة، لا سيما في ما يتعلق بإدارة الملفات السيادية، والتعيينات العليا، والتعامل مع ملفات المنطقة بشكل عام.
وتزايد الحديث في الأسابيع الماضية عن رغبة السوداني في الترشح لولاية ثانية، بدعم من قوى سياسية جديدة تبتعد تدريجيًا عن عباءة الإطار، وتحاول ترسيخ نهج "الدولة المعتدلة" الذي تبناه رئيس الحكومة، وهو ما يجعل كتلة "الإعمار والتنمية" نقطة ارتكاز لهذا المسار.
وفي السياق ذاته، تشير بعض التسريبات إلى وجود مشاورات لضم كتل ونواب جدد إلى هذا التكتل البرلماني، ما قد يحوّله إلى لاعب رئيس في مشهد ما بعد الانتخابات، سواء لتشكيل الكتلة الأكبر، أم لترشيح السوداني مجددًا لرئاسة الحكومة.
ويأتي هذا الحراك وسط استمرار الغموض بشأن التحالفات الكبرى، وانسحاب بعض القوى المؤثرة من السباق الانتخابي مثل التيار الصدري، وتحالف النصر، ما يفتح الباب أمام تحالفات جديدة قد تغيّر التوازنات السياسية التقليدية.