رغم مرور عامين على هجوم 7 أكتوبر ، لا يزال الجدل محتدماً في إسرائيل، عما إذا كانت القيادتان السياسية والعسكرية على علم مسبق بالهجوم.
وتختلط الوثائق بالاتهامات والشائعات وحتى "نظريات المؤامرة"، خصوصاً بعدما خلُص تحقيق للجيش الإسرائيلي في مايو/ أيار الماضي إلى "إخفاقات منهجية" في الفترة التي سبقت الهجوم، مع الكشف عن ثغرات في جمع المعلومات الاستخباراتية، والافتراضات الخاطئة حول الحركة الحاكمة لغزة، وضعف استعدادات القوات واستجابتها للهجوم.
لكن اللافت في السجال الإسرائيلي أنه يتجاوز "الإخفاق" للحديث عن "مؤامرة" يتقاذف المسؤولية عنها مسؤولون كبار في القيادتين السياسية والعسكرية، مثلما اتهم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، رئيس الشاباك السابق، رونين بار، بالعلم المسبق والتكتم عن نية حماس الهجوم.
وواجه نتنياهو اتهامات مماثلة من زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، الذي شهد أمام لجنة تحقيق مدنية أن رئيس الوزراء كان على علم بتحذيرات استراتيجية لأشهر، وأنه تجاهلها عمداً، وفق تقرير سابق لصحيفة "هآرتس" العبرية.
كان الجدل الإسرائيلي قد بدأ مبكراً، عندما نشرت صحيفة "نيويورك" تايمز" بعد شهر واحد من هجوم أكتوبر وثائق مسرّبة عُرفت بـ "جدار أريحا"، متضمّنة مخطط حركة حماس للهجوم من 40 صفحة.
وأشارت إلى أنها وصلت إلى يد المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الإسرائيليين، لكنهم رفضوها معتبرين إياها "طموحة جداً" وغير قابلة للتنفيذ.
وأثار الفشل الاستخباراتي، الذي يُقارن بحرب أكتوبر عام 1973 وهجمات 11 سبتمبر، تساؤلات حول تسريبات محتملة داخل الجهاز الأمني الإسرائيلي، ودفع إلى تحقيقات داخلية كشفت عن إهمال متعمّد أو عدم تصديق للتحذيرات المتكررة.
وحصلت إسرائيل على الوثيقة قبل أكثر من عام من الهجوم، وفيما لم تحدد تاريخاً محدداً، فقد وصفت بدقة مذهلة الخطوات التي نفذتها حماس، كإطلاق وابل من الصواريخ لتشتيت الانتباه، واستخدام طائرات مسيرة لتعطيل كاميرات المراقبة والرشاشات الآلية على الحدود، ثم تدفق مئات المقاتلين عبر المظلات، والدراجات النارية، والسير على الأقدام لاقتحام المدن الإسرائيلية وقواعد عسكرية رئيسة مثل مقر فرقة غزة في رعيم.
ووفق "نيويورك تايمز"، فقد انتشرت الوثيقة على نطاق واسع بين القادة العسكريين والاستخباراتيين، لكن الخبراء اعتقدوا أن الهجوم بهذا الحجم يتجاوز قدرات حماس. و"لم يتسن بعد تحديد ما إذا كانت الخطة قد تم قبولها بالكامل وكيف سيتم تنفيذها"، كما جاء في تقييم عسكري لفرقة غزة بعد الحصول على الوثيقة.
وفي يوليو تموز 2023، قبل ثلاثة أشهر فقط من الهجوم، حذرت محللة مخضرمة في وحدة 8200، وكالة الاستخبارات الإشارية، من تدريبات حماس المكثفة التي تطابقت مع مخطط "جدار أريحا".
وكتبت في رسائل بريد إلكتروني مشفرة: "أرفض تماماً أن يكون هذا السيناريو خيالياً.. إنها خطة مصممة لإشعال حرب، ليست مجرد غارة على قرية".
اتهم نتنياهو رئيس الشاباك السابق، رونين بار، أنه علم بالهجوم المحتمل بحلول 4:30 صباحاً يوم 7 أكتوبر، لكنه لم يوقظه.
"هذه حقيقة وليست مؤامرة"، كما جاء في بيان عن مكتب نتنياهو، متسائلاً عن عدم إنذار قادة الفصائل أو السكرتير العسكري. وأدى ذلك إلى إقالة بار.
في المقابل، فإن نتنياهو متهم بحسب لبيد أنه كان على عِلم بتحذيرات استراتيجية لأشهر، مضيفاً أن ثمة "تحذيرات قاسية وغير مسبوقة" لم تُؤخذ بعين الاعتبار.
تبدو نظريات المؤامرة منتشرة بشكل خاص بين أنصار الليكود، فتقرير سابق لـ "هآرتس" يشير إلى أن ناخبي الحزب اليميني يفضلون تصديق أن الهجوم كان "خيانة داخلية" بدلاً من إلقاء اللوم على نتنياهو، الذي تولى الحكومة قبل أشهر فقط من الهجوم.
ابن نتنياهو، يائير، روّج لنظريات مشابهة عبر وسائل التواصل، حيث أعجب بمنشور يتهم رئيس الأركان هيرتسي هاليفي بانقلاب عسكري في 7 أكتوبر. كما نشر تغريدات تتهم الجيش والشين بيت بـ"الخيانة" قبل وأثناء الهجوم، مطالباً بكشف "ما يخفونه".
وذهبت هذه النظريات إلى حد القول إن نتنياهو سمح بالهجوم لتعزيز موقفه السياسي، خاصة مع الاحتجاجات ضد إصلاحاته القضائية قبل الهجوم، إلا أن تقريرا لـ "هآرتس" أيضاً كشف كيف أن نتنياهو كان "مشلولاً" أثناء الهجوم، مما يعكس صدمة عامة وليس تخطيطاً مسبقاً.
وفي "نيويورك تايمز"، فإن السجال الحاد في إسرائيل وتراشق الاتهامات حول مسؤولية 7 أكتوبر، يؤكدان أن الدولة العبرية أكثر انقساماً وعزلة بسبب الحرب في غزة، التي قتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين.