رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي
قالت مصادر سياسية مطلعة في الداخل الفلسطيني إن سنتين من الحرب على غزة كشفتا عمق التحولات في المشهدين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث يتقاطع اليوم مساران متناقضان: الأول يسعى لتكريس "إدارة الصراع" عبر خطط دولية، بينما يفتح الثاني الباب أمام ولادة مقاومة جديدة تتجاوز البندقية إلى الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي.
وأوضحت المصادر في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن هذه المرحلة المفصلية جاءت بعد أن كسرت حرب السابع من أكتوبر صورة إسرائيل الأمنية، وأعادت ترتيب أولويات الفلسطينيين، لتصبح الأسئلة الوجودية حول مستقبل المقاومة، وحدود القوة، وطبيعة الحل، هي العناوين الكبرى بعد عامين من النزاع المستمر.
وأضافت المصادر أنه بعد سنتين إما أن يترسخ مسار "إدارة الصراع" عبر خطط دولية مثل خطة ترامب، فيتحول الفلسطيني إلى موضوع مراقبة ومساعدات مشروطة، وإما أن تُستغل هذه اللحظة (تفعيل خطة ترامب) لولادة موجة مواجهة ومقاومة جديدة، لا بالضرورة عسكرية فقط، بل سياسية واجتماعية وثقافية تعيد تعريف الصراع الفلسطيني من أساسه.
وأكدت أن هذا هو المفترق الحاسم الذي أفرزته سنتان من التحولات بعد 7 أكتوبر 2023، لحظة كسرت صورة إسرائيل الأمنية وكشفت حدود قوتها، ووضعت الفلسطينيين والإسرائيليين في غزة والضفة وفي الداخل الاسرائيلي، ومعهم الإقليم والعالم، أمام سؤال واحد: ماذا بعد؟
وأشارت إلى أنه منذ صباح 7 أكتوبر، لم يعد شيء كما كان، الهجوم المفاجئ لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل زلزال بنيوي هزّ يقين إسرائيل بذاتها. فجأة، ظهرت دولة توصف بأنها "القوية جداً" عاجزة عن حماية حدودها وسكانها، وجيشها الذي طالما تباهى "باليد الطويلة" بدا متردداً ومرتبكاً، صورة الأمن القومي اهتزت لمجرد أن مقاتلين حافي الأقدام استطاعوا اختراق الحدود وسلسلة تحصيناته، تم خطف إسرائيليين وجنود مقاتلين، كما تم إرباك منظومة استخباراتية بُنيت على عقود من الادعاء بالتفوق.
وقالت المصادر في حديثها لـ"إرم نيوز" إنه من هنا بدأ السؤال الأخطر يتسلل: هل إسرائيل قادرة على الاستمرار بالمشروع نفسه الذي تأسست عليه؟ على مدى عامين بعد الحدث، تعمقت هذه الشروخ، في الداخل الإسرائيلي، صعد الخوف وانعدمت الثقة بالدولة، وظهرت انقسامات أيديولوجية أوسع: يمين يزداد تطرفاً ويطالب بالانتقام المطلق، ويسار يزداد ضعفاً ويبحث عن مخرج، وبينهما مجتمع يعاني من أزمة اقتصادية وضغوط معيشية لم تكن مألوفة بهذا الحجم. حكومة نتنياهو، رغم مظهر القوة، عاشت هفوات متكررة، من التخبط في ملف الأسرى إلى الغباء السياسي في إدارة الحرب، ومن إطالة أمد النزاع إلى عجزها عن صياغة رؤية مستقبلية.
ووصفت المصادر الوضع بأنه "كبوة"، لكن كبوة إسرائيل لم تكن حادثة عابرة، بل شرخاً في صورتها الداخلية والخارجية. أما الفلسطينيون، فكانوا في قلب هذه العاصفة، في الداخل (عرب 48)، واجهوا تضييقاً غير مسبوق، ومحاولات خنق سياسي واجتماعي، لكنهم في الوقت نفسه شاهدوا الأسطورة الإسرائيلية تتهاوى، ما زاد شعورهم بأن المشروع الاستعماري قابل للانكشاف.
وذكرت أنه في غزة تحولت المعاناة إلى كارثة إنسانية، لكنها ولّدت أيضاً لحظة إعادة التفكير، هل تكون المقاومة فقط بندقية، أم يمكن أن تتحول إلى مشروع بقاء متكامل، سياسياً وثقافياً واجتماعياً، أما في الضفة، فقد اشتعلت المواجهات اليومية، كأنها انتفاضة بطيئة لكنها مستمرة.
ولفتت المصادر إلى أن خطة ترامب جاءت على الورق، وهي تبدو كوثيقة لإنهاء الحرب: وقف إطلاق نار، تبادل أسرى، إدارة انتقالية، مشاريع إعمار، لكن في العمق، هي محاولة لفرض "إدارة الصراع" بدل حله، عبر تحويل غزة إلى حقل تجارب سياسي-اقتصادي تديره قوى دولية وإقليمية، بينما يُترك الفلسطيني ليعيش تحت رحمة المساعدات والاستثمارات المشروطة.
وشددت المصادر على أن قبول حماس الجزئي جاء تكتيكاً ضرورياً في لحظة استثنائية، القبول ببعض البنود لتخفيف الكارثة، مع رفض التخلي عن جوهر المقاومة، إنها صيغة "البقاء عبر المرونة"، لا "النهاية عبر الاستسلام".
وأكدت أنه من هنا يتحدد المفترق: إما أن يسير المسار نحو تكريس "ما بعد المقاومة"، حيث يُدار الفلسطيني ولا يُفعل، وإما أن تتحول هذه الخطة ذاتها إلى شرارة ابتكار مقاومة جديدة، لا تُختزل في المواجهة العسكرية، بل تمتد إلى بناء وعي مختلف، مؤسسات بديلة، وحضور سياسي يرفض التدجين.
واستشهدت المصادر في حديثها لـ"إرم نيوز" بالتجربة التاريخية للفلسطينيين التي تقول إن كل محاولة إخضاع تُنتج أشكالاً جديدة من المقاومة، من الانتفاضة الأولى إلى الثانية، من مسيرات العودة إلى الصمود في غزة، هذه المرونة هي ما يجعل المستقبل مفتوحاً على الاحتمال الثاني، لا الأول.
وأضافت أن السنوات القادمة إذن ليست مرحلة "ما بعد 7 أكتوبر" فقط، بل مرحلة "إعادة تعريف الصراع": هل يتحول إلى ملف إداري-اقتصادي يُدار بأموال عربية وقرارات واشنطن وتل أبيب؟ أم إلى لحظة ولادة مقاومة متجددة، سياسية - اجتماعية - ثقافية، تعيد التأكيد أن "الاحتلال" لا يمكن أن يُطبع مهما تغيّرت الأشكال!
واختتمت المصادر مؤكدة أن هذا هو جوهر البانوراما، أن 7 أكتوبر فتح الباب، والخطط الدولية تحاول إغلاقه، لكن التاريخ يعلمنا أن الفلسطيني لم يكن يوماً مجرد موضوع إدارة، بل فاعلا قادرا على إعادة ابتكار ذاته كل مرة.