يواجه قادة حركة حماس خاصة من بقي منهم في قطاع غزة، قرارًا صعبًا بالقبول بما تتضمنه خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب، من إبعادهم إلى خارج غزة، وهو العرض الذي قدمته إسرائيل أكثر من مرة خلال الحرب.
وبعد عامين من الحرب، أصبحت الخيارات أمام من تبقى من قادة حماس في قطاع غزة، محدودة للغاية، إذ تواجه الحركة واقعًا صعبًا دفعها للموافقة المبدئية على الخطة، وترك تفاصيلها لجولات المباحثات التي يرعاها الوسطاء.
يطرح هذا المأزق الذي تعيشه حماس، تساؤلاً حول مدى إمكانية قبول الحركة بإبعاد من تبقى من قادتها في غزة إلى الخارج، وتكرار ما حدث عام 1992 بعد خمسة أعوام من تأسيس الحركة، إذ تم إبعاد غالبية قادتها إلى بلدة "مرج الزهور" في النبطية جنوب لبنان.
وشملت عملية الإبعاد حينها 415 فلسطينيًّا، بينهم قادة بارزون في حركة حماس على رأسهم عبدالعزيز الرنتيسي، الذي قاد الحركة خلفًا لمؤسسها أحمد ياسين، واغتالته إسرائيل عام 2003، وكذلك إسماعيل هنية الذي ترأس المكتب السياسي حتى اغتياله في طهران عام 2024.
وفي تشابه مع الواقع الحالي، وقعت عملية الإبعاد إلى مرج الزهور عام 1992 بعد أن أسرت حماس الجندي الإسرائيلي نسيم طوليدانو، وحددت مهلة للإفراج عنه، مقابل إطلاق سراح مؤسس حماس أحمد ياسين، وبعد انقضاء المهلة قتلت حماس الجندي، ما دفع إسرائيل للرد بإبعاد جميع قادتها وقادة من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.
ويعيش غالبية قادة حماس السياسيين خارج قطاع غزة، في حين اغتالت إسرائيل غالبية قادتها ممن كانوا داخل القطاع، بمن فيهم يحيى السنوار الذي قاد المكتب السياسي للحركة، خلفًا لهنية، ويبقى الخيار الإبعاد مقتصرًا على عدد من قادة الجناح العسكري الذين فشلت إسرائيل في اغتيالهم، وبعض القادة الميدانيين في الجناح العسكري.
وتصر حماس حاليًّا، على رفض أي صيغة ضمن خطة ترامب من شأنها إبعاد قادتها قسرًا من قطاع غزة، في ظل مخاوف من أن يتم الالتفاف على هذا الرفض عبر ما وُصف بالخروج الطوعي أو الممر الآمن.
خيار مرفوض
ويرى المحلل السياسي يونس الزريعي، أن حماس لن تقبل بخيار إبعاد قادتها من قطاع غزة، مشيرًا إلى أن الموافقة عليه إن تمت ستكون ضمن إطار مؤقت لحمايتهم من الاغتيال.
وقال الزريعي، لـ"إرم نيوز": "حركة حماس لن تقبل بترحيل أي من قادتها أو أعضائها من غزة، وإن التزام الحركة أمام الأمريكيين بتعهدات منظمة التحرير الفلسطينية سيكون كافيًا لبقاء الجميع داخل القطاع".
وأضاف: "أي خروج محتمل لقادة حماس بعد الحرب سيكون طوعيًّا ومؤقتًا، بهدف تجنيبهم الاغتيال، وليس إبعادًا قسريًّا مثلما حدث في مرج الزهور".
وتابع: "الوجهات المحتملة للخروج الطوعي لقيادة حماس هي تركيا وقطر بالنسبة لحماس، وإيران بالنسبة لقادة الجهاد الإسلامي".
وشدد على أن "إسرائيل لن تمنح أي حصانة دائمة لهؤلاء القادة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد انتهاء الحرب، ما لم تقم دولة فلسطينية ذات سيادة".
تجربة فاشلة
بدوره، قال المحلل السياسي رائد نجم، إن "خروج قيادات الصف الثاني والثالث في حماس لا يعني نهاية المشروع، بل هو جزء من ترتيبات المرحلة المقبلة، مع الحفاظ على الهيكل التنظيمي والدعوي للحركة".
وأضاف نجم، لـ"إرم نيوز": "إبعاد قيادات حماس إلى مرج الزهور خلال الانتفاضة الأولى فشل وأدى إلى تعزيز مكانتها".
وتابع: "الواقع الحالي مختلف ويقوم على إطار دولي وإقليمي لإنهاء الحرب دون إبعاد قسري، مع توفير ممر آمن اختياري وخروج رمزي لعدد محدود فقط".
وأردف: "صيغة الخروج الرمزي التي يروج لها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تهدف لإظهار انتصار داخلي في إسرائيل، وليست جوهر الحلول التي يسعى لها الوسطاء".
وقال إن "الصيغة تُعد مسألة ثانوية قد ترفضها حماس، بينما تسويات الملفات الأخرى تكفي لإغلاق هذا الملف دون تعقيد الصفقة".
وأوضح أن "نزع السلاح سيكون أكبر تحدٍّ، حيث قد تسعى حماس لتكرار تجربة حزب الله في لبنان عبر الإبقاء على سلاحها مع تشكيل حكومة تكنوقراط، وبقاء نفوذها العسكري في القطاع".
وأشار كذلك إلى أن من بين التحديات التي تواجهها حماس هو اندماجها في النظام السياسي الفلسطيني عبر المشاركة في الانتخابات، والحصول على شرعية رسمية، وهو ما يتطلب استحقاقات صعبة مثل الاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات الموقعة، مما يشكل معضلة أمام تحولها لقوة سياسية توافقية.