يعكس تدخل واشنطن لوقف الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في سوريا تحولًا في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية، إذ لم يعد التركيز على التصعيد وحده، بل على احتواء تبعات الفوضى الممتدة، بحسب خبراء.
فمن جهة، يُفسر هذا التدخل كرسالة أمريكية لإسرائيل بضرورة تقييد تحركاتها وفق مصالح أوسع، خاصة مع تزايد مخاطر انهيار الوضع في سوريا، ومن جهة أخرى، يُعد مؤشرًا على توجه محتمل لواشنطن نحو "احتواء جزئي" للنظام السوري، عبر فتح قنوات تهدئة غير مباشرة.
وقال الخبراء إن السبب الرئيس وراء هذا التحرك يكمن في محاولة واشنطن تحقيق توازن صعب بين ضمان أمن إسرائيل وضبط المشهد السوري المتشابك، الذي تتصارع فيه مصالح دولية وإقليمية.
وقال الكاتب والباحث السياسي، مالك الحافظ، إن هذا الطلب هو مؤشر عميق على لحظة تحول سياسي ضمن الحسابات الإقليمية والدولية في الملف السوري، فالمعنى الأوسع يُفهم كإعادة تموضع في طريقة التعامل الأمريكي مع شبكة التحالفات في الشرق الأوسط.
وأضاف الحافظ، لـ"إرم نيوز"، أن الطلب الموجّه إلى إسرائيل بالكف عن الضربات داخل سوريا لا يُفسر فقط كحرص على التهدئة أو تجنب التصعيد، وإنما يُفهم بوصفه مؤشرًا على إدراك أمريكي متأخر بأن استدامة الفوضى في سوريا قد تجر البلاد للهاوية، وأن إعادة ضبط المشهد تتطلب أكثر من دعم عمليات الردع أو تشجيع حروب الظل، فالاستنزاف الدائم في سوريا بات يرتد على التوازنات الكبرى.
وأوضح أن طلب "الدخول في حوار مع الحكومة في دمشق يحمل دلالة استراتيجية، تتجاوز حدود المجاملات الدبلوماسية، إذ يُشير ضمنًا إلى أن واشنطن، أو بعض أجنحتها على الأقل، باتت تنظر إلى بقاء السلطة السورية في تلك المرحلة كأمر واقع لا يمكن تجاوزه، أو التعامل معه بأدوات الصدام فقط، بل من داخل مبدأ "التطبيع الانتقائي" أو "الاحتواء الجزئي".
وأشار إلى أن هذه ليست دعوة لتقارب شامل، لكنها تحمل في طياتها استعدادًا أمريكيًا لفتح قنوات مزدوجة تهدئة أمنية مع دمشق، وتقييد مدروس للهامش الإسرائيلي داخل الجبهة السورية.
وبيّن الحافظ أن هذا الطلب يُعد إعادة تذكير بأن إسرائيل، رغم قوتها العسكرية، ليست طرفًا منفصلًا عن الحسابات الدولية الكبرى، وأن حدود دورها، حتى حين تكون منسَّقة مع واشنطن، تبقى مرهونة بقرارات تتجاوز أهدافها الأمنية الخاصة.
وتابع أن "ما حصل يعكس لحظة مراجعة تكتيكية في العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية بشأن سوريا، ويُعيد طرح السؤال الأكبر: إلى أي حدّ يمكن للولايات المتحدة أن توازن بين دعمها التاريخي لإسرائيل، وسعيها للتهدئة في مسارٍ تتداخل فيه الجبهات والنفوذ والمصالح المتضاربة؟".
من جانبه، قال أمين عام التحالف السوري الديمقراطي، حسان الأسود، لـ"إرم نيوز"، إن التدخل الإسرائيلي الآن قد يصب استراتيجيًا في مصلحة مخطط التوسع في المنطقة الجنوبية من سوريا، أو على الأقل فرض خطوط المنطقة الآمنة منزوعة السلاح.
وأكد أن دروز سوريا لا يهمون إسرائيل، فالعملية رسالة تطمين لدروز إسرائيل ولإعطائهم صورة بأن إسرائيل قادرة على حماية أهلهم في سوريا.
وأشار الأسود إلى أن هذا الأمر يجعل المشهد السوري أكثر إرباكًا وتعقيدًا، مبينًا أن الإدارة الأمريكية قد تكون على علم بضرب مبنى رئاسة الأركان السورية لأنها ضربة موجهة إلى صميم الدولة السورية وصميم نظامها الجديد، وقد تكون قد أعطت الضوء الأخضر لها كي تنبه الحكومة السورية إلى أن الصراع قد يتطور إلى ما هو أكبر من ذلك.
وبيّن أن إسرائيل لا تحتاج إلى ذرائع حتى تحقق مصالحها، وأن على الحكومة السورية أن تغير من أسلوب تعاملها مع الأزمات الداخلية، وأن توزع إطار المشاركة السياسية، وأن تعيد النظر في كل الخطوات التأسيسية التي تمت بدءًا من مؤتمر إعلان النصر وحتى القرارات الأخيرة.
وختم الأسود حديثه بالقول: "يجب أن يكون هناك تعديل على الإعلان الدستوري، ودعوة لحوار وطني حقيقي وممتد حتى يخرج بقرارات ملزمة، وليس بمجرد توصيات، وتشكيل مجلس شعب حقيقي يمثل كل الشعب السوري".