أثار قرار رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، بتجميد قرارات أمنية وعسكرية صادرة عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، تساؤلات إن كان القرار ينبع من توجه لترتيب البيت الأمني، أو يعكس صراعا متناميا على الصلاحيات.
وجاء قرار المجلس الرئاسي الليبي بعد يوم من اندلاع اشتباكات عنيفة في العاصمة طرابلس، إثر تحرك لقوات موالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، أسفرت عن مقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، إلى جانب سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وعلّق الخبير العسكري الليبي عادل عبد الكافي على التطورات بالقول إن ما جرى في طرابلس لا يعد صراعا، بل نتيجة لتداعيات سلبية تراكمت بسبب قرارات حكومة الوحدة الوطنية بإعادة هيكلة وضم بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية تحت وزارتي الداخلية والدفاع.
وأوضح أن جذور الأزمة تعود إلى فترة المجلس الرئاسي السابق بقيادة فايز السراج، الذي اتخذ قرارات جعلت بعض الأجهزة الأمنية تتبع الرئاسي مباشرة، ما خلق خللا كبيرا في التنسيق والصلاحيات وتوزيع الميزانيات داخل الوحدات الأمنية والعسكرية.
وأشار عبد الكافي، لـ"إرم نيوز"، إلى أن ما حدث في طرابلس كان محاولة من الحكومة لإعادة دمج الأجهزة بحيث تصبح تابعة بشكل واضح لوزارتي الدفاع والداخلية، سعياً لتعزيز التنسيق الأمني والعسكري.
وأضاف أن قرار رئيس المجلس الرئاسي جاء كرد فعل على الأوضاع الأمنية والعسكرية الراهنة، ونتيجة التفاهمات التي تم التوصل إليها بشأن إدماج وهيكلة الأجهزة الأمنية.
وختم بالتأكيد على أنه لا يرى صراعات سياسية داخل طرابلس، معتبرا أن الخطوات المتخذة من الرئاسي والحكومة تهدف إلى تهدئة الأوضاع وإعادة ترتيب المشهد الأمني والعسكري، وبالتالي نزع فتيل التوتر في العاصمة.
ومن جانبه، اعتبر المحلل السياسي الدكتور خالد محمد الحجازي، أن قرار المجلس الرئاسي يكشف عن صراع واضح حول الصلاحيات، وليس مجرد خلاف عابر مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية.
وأوضح، لـ"إرم نيوز"، أن المجلس، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، يرى أن الدبيبة يتجاوز صلاحياته بإصدار قرارات ذات طابع عسكري، في حين يستند الدبيبة إلى كونه رئيس الحكومة الفعلي الذي يملك السلطة التنفيذية على الأرض، خاصة في الغرب الليبي.
وقال إن هذا التداخل في الأدوار ناتج عن غياب دستور واضح أو اتفاق سياسي نهائي، ما يسمح لكل طرف بتفسير صلاحياته وفق مصالحه، وهو ما قد يؤدي إلى تعقيد المسار السياسي والعسكري، ويزيد من شلل المؤسسات، ويعمق الانقسام بين الأطراف، وقد يُفقد الثقة بمسار التسوية الذي تقوده الأمم المتحدة.
وأشار إلى أن استمرار هذا الخلاف قد يفتح الباب أمام تدخلات خارجية جديدة، حيث قد تستغل بعض القوى هذا الانقسام لتعزيز نفوذها بدعم أحد الطرفين، ما قد يعيد إنتاج الصراع على الأرض، أو يُضعف جهود توحيد المؤسسة العسكرية.
ورغم ذلك، يرى الحجازي أن الأزمة قد تشكل فرصة لإعادة التفاوض على توزيع الصلاحيات، إذا ما تم احتواؤها سياسياً، ما قد يسهم في ضبط التفاهمات بين المجلس الرئاسي والحكومة، خاصة فيما يتعلق بالشأن الأمني.
وختم بالتحذير من أن عدم احتواء الخلاف قد يؤدي إلى انقسام فعلي في قيادة المؤسسة العسكرية، وتصعيد إعلامي وسياسي بين الطرفين، وربما يدفع بعض الأطراف المسلحة إلى الانحياز، ما يهدد الاستقرار النسبي في الغرب الليبي.