عاد إلى الواجهة مجددًا الحديث عن إمكانية عودة "التحالف الثلاثي" في العراق، بعد أكثر من عامين على انهيار التجربة الأولى التي شكّلت منعطفًا في مسار التفاهمات السياسية داخل البلاد.
ويأتي هذا الحديث وسط اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وتصاعد الحراك الانتخابي بين القوى التقليدية التي تسعى لترتيب مواقعها تحسبًا لمرحلة ما بعد الاقتراع.
ويتألف التحالف هذه المرة – وفق ما تشير إليه التحليلات السياسية المتداولة – من ثلاثة أطراف رئيسة تمثّل المكونات الكبرى في البلاد، هي ائتلاف "الإعمار والتنمية" الذي يقوده السوداني، وتحالف "تقدم" بزعامة الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يخوض الانتخابات منفردًا في إقليم كردستان.
ويُتوقع أن يسعى هذا التحالف، في حال تبلوره، إلى تشكيل كتلة عابرة للطوائف تكون قادرة على ضمان الأغلبية البرلمانية وتقديم مرشح توافقي لرئاسة الحكومة.
ويُعدّ كل من السوداني والحلبوسي والبارزاني من أكثر القادة حظوظًا داخل بيئاتهم الانتخابية، ما يمنحهم القدرة على إعادة إنتاج "التحالف الثلاثي" الذي تشكّل سابقًا مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتمكن حينها من جمع أكثر من 200 نائب، واقترب من تشكيل الحكومة قبل أن ينهار إثر انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية في منتصف عام 2022.
وقال الباحث المقرّب من التيار الصدري، غالب الدعمي، إن "التحالفات في العراق تخضع لموازين المقاعد والمصالح، ولا يُستبعد أي احتمال في ضوء التفاهمات التي قد تنشأ بعد إعلان النتائج".
وأضاف الدعمي، لـ"إرم نيوز"، أن "تشكيل الحكومة المقبلة لن يكون قرارًا داخليًا خالصًا، فالعوامل الإقليمية والدولية سيكون لها دور مؤثر في تحديد شكل التحالفات واتجاهاتها".
وأوضح أن "العلاقة بين السوداني والحلبوسي لا تزال غير منسجمة، وهو ما يشكّل عائقًا أمام إعادة بناء تحالف ثلاثي قوي، خصوصًا مع وجود تباينات بين بغداد وأربيل بشأن ملفات النفط والموازنة والإدارة المشتركة".
وتُعدّ تجربة "التحالف الثلاثي" الأولى من نوعها منذ سقوط نظام صدام حسين، إذ كسرت قاعدة التحالفات المبنية على الانقسام الطائفي، وجمعت بين قوى شيعية وسنية وكردية في إطار واحد هدفه تجاوز المحاصصة التقليدية.
وشكّل هذا النموذج في حينه محاولة لإعادة ترتيب النظام السياسي على أسس الأغلبية السياسية بدلًا من التوافق الذي حكم تشكيل الحكومات منذ عام 2005.
وكاد هذا التحالف أن يفجّر حربًا داخل المكوّن الشيعي بعد رفض قوى "الإطار التنسيقي" منح مقتدى الصدر الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة، ما أدى إلى صدامات مسلحة في المنطقة الخضراء ببغداد في آب/ أغسطس 2022، انتهت بمقتل نحو 60 شخصًا من أنصار التيار الصدري، وانسحاب نوابه من البرلمان، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة انتهت بتكليف محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة الحالية بدعم من "الإطار التنسيقي".
من جهته، أوضح الباحث في الشأن السياسي، عماد محمد، أن "التحالفات الجديدة ستكون قائمة على النتائج المتحققة في الانتخابات المقبلة، لكنّ السوداني يملك فرصة كبيرة لتوسيع تحالفه بفعل موقعه الحكومي الحالي وقدرته على استقطاب قوى معتدلة من مختلف المكونات".
وأضاف، لـ"إرم نيوز"، أن "انسحاب التيار الصدري من الانتخابات سيؤدي إلى انتقال جزء من أصوات جمهوره إلى القوائم القريبة من السوداني، سواء عبر مرشحين مستقلين أم من خلال كتل محسوبة على الحكومة، وهو ما يمنحه ثقلًا إضافيًا في المفاوضات المقبلة لتشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان".
وبحسب مراقبين سياسيين، فإن المشهد الانتخابي الحالي يختلف عن السابق بوجود 31 تحالفًا سياسيًا يتنافسون على 329 مقعدًا، ما يجعل التحالفات خيارًا حتميًا لأي حكومة مقبلة.
كما أن القوى السنية والكردية تسعى لضمان شراكة مستقرة مع بغداد تتيح لها الحصول على مكاسب واضحة في ملفات الإعمار والرواتب والنفط.