الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
في وقت تواجه بنود خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة صعوبات كبيرة في التنفيذ، تتصاعد التساؤلات حول مصير هذه المبادرة، وما إذا كان فشل تنفيذها سيدفع الأطراف المعنية إلى تجميد القتال، على غرار ما اقترحه ترامب سابقا خلال الحرب الروسية الأوكرانية، حين دعا موسكو وكييف إلى وقف العمليات على خطوط التماس القائمة.
ويرى بعض المراقبين أن تجميد الصراع قد يمنح الأطراف فرصة لإعادة ترتيب أوراقهم، بينما يحذر آخرون من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى ترسيخ واقع جديد، يبقي إسرائيل مسيطرة على نصف القطاع فعليا، فيما تظل بقية غزة محاصرة ومقطعة الأوصال.
تقرير حديث لموقع "ناشيونال سكيوريتي جورنال" الأمريكي شكك في إمكانية نجاح خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشيرا إلى عدة عوامل رئيسة تهددها بالفشل، أبرزها تمسك حركة حماس بالسلطة ورفضها نزع سلاحها، وممانعة اليمين الإسرائيلي المتطرف لأي مشروع دولة فلسطينية، إلى جانب التدخلات الإيرانية الداعمة للفصائل المسلحة في القطاع.
ويرى التقرير أن المرحلة الأولى من الخطة والتي تضمنت تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، كانت بمثابة نجاح مؤقت؛ لأنها اعتمدت على تجارب سابقة بين الطرفين، لكنها لم تمس جوهر الصراع.
أما المرحلتان التاليتان، والمتمثلتان في نزع السلاح وإعادة بناء الحكم، فهما الأكثر هشاشة، فحركة حماس ترفض التخلي عن سلاحها، بينما يرفض اليمين الإسرائيلي أي صيغة تعيد السلطة الفلسطينية إلى غزة.
الخبير العسكري ضيف الله الدبوبي يرى أن الوضع في غزة يختلف جذريا عن الصراع الروسي الأوكراني، فبينما تميل الحرب في أوكرانيا إلى الجمود العسكري والسياسي، فإن مسار الأحداث في غزة لا يزال مفتوحا على احتمالات الحل، خاصة مع وجود اتفاقيات تنص على انسحاب إسرائيل إلى ما وراء خطوط محددة.
وأكد الدبوبي في حديث لـ إرم نيوز أن الحكم على خطة ترامب بالفشل لا يزال مبكرا، رغم مظاهر التعثر الواضحة، ويقول: "لا تزال الخطة قائمة من حيث المبدأ، لكن المشكلة تكمن في التباطؤ الإسرائيلي بالوفاء بالالتزامات، خصوصا في مسألة فتح المعابر وإدخال المساعدات، فضلًا عن الاستمرار في خروقات محدودة لوقف إطلاق النار.
وأضاف أن إسرائيل تدرك أنها لا تستطيع البقاء في غزة طويلًا؛ لأن وجودها العسكري هناك يعني استمرار استهداف جنودها وتصاعد الغضب الشعبي الفلسطيني، لذلك طرحت أكثر من سيناريو للانسحاب التدريجي وتسليم الإدارة لطرف فلسطيني أو دولي، وبالمحصلة فإن جوهر الخلل يكمن في موقف الضامنين الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي تبنت في معظم الأحيان الرواية الإسرائيلية.
ورجح الدبوبي أن المرحلة المقبلة ستشهد محاولات لتثبيت الجبهات تمهيدا لتسوية سياسية، على غرار ما حدث بعد الحروب الكبرى في التاريخ، حين ترسم خرائط السلام وفق موازين القوى الميدانية.
وقال قد تكون هذه هي المرحلة الأخيرة من الحرب الحالية، لكن نتائجها ستحدد ما إذا كان السلام ممكناً، أم أن غزة ستدخل دورة جديدة من التصعيد.
من جهته يرى عضو المكتب السياسي للجبهة العربية الفلسطينية، عمران الخطيب أن الإدارة الأمريكية سعت من وراء اتفاق وقف إطلاق النار إلى تحقيق توازن دقيق بين الاستجابة للضغوط العربية والإسلامية من جهة، وضمان استمرار الأهداف الإسرائيلية في غزة من جهة أخرى.
وقال الخطيب لـ إرم نيوز إن الولايات المتحدة كانت مضطرة للتجاوب مع المواقف العربية والإسلامية التي برزت بقوة خلال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا سيما بعد تشكيل لجنة خاصة للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين، ولذلك وجدت واشنطن نفسها مضطرة إلى دعم وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولو بصورة مؤقتة.
وأشار إلى أن التجاوب الأمريكي لا يعني تغيّرا جوهريا في الموقف الأمريكي، إلا أن واشنطن كانت حريصة في الوقت ذاته على حماية إسرائيل وضمان استمرار أهدافها الاستراتيجية، التي تتعلق بإعادة تشكيل الواقع السكاني والجغرافي في القطاع عبر سياسات التهجير غير المباشر.
وأوضح الخطيب أن الاتفاق الذي تضمن 20 بندا موزعة على 3 مراحل، أتاح لإسرائيل مساحة واسعة للمناورة؛ إذ يبدو الجانب الإسرائيلي متلكئا في تنفيذ بنود المرحلة الأولى، ويتعمد تأخير الانتقال إلى المرحلتين الثانية والثالثة؛ لأن الوصول إلى تلك المراحل يعني فعليا انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وهو ما لا تريده حكومة نتنياهو في الوقت الراهن.
وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية تفضل إبقاء الوضع في غزة في حالة "لا حرب ولا سلم"، بحيث تستمر العمليات المحدودة دون التورط في حرب شاملة، مع المحافظة على خطوط تماس تُبقي نصف القطاع فعليا تحت السيطرة الإسرائيلية.
وقال إن إسرائيل ترى أن أي تقدم نحو المرحلة الثانية أو الثالثة سيقود حتما إلى انسحابها الكامل، لذلك تسعى إلى تكريس وضع انتقالي طويل الأمد يضمن بقاءها طرفا فاعلا دون تحمل المسؤوليات المباشرة.
وبين الخطيب إن واشنطن تعمل على صياغة نموذج إداري جديد لغزة، يقوم على تشكيل جهاز أمني محلي تحت إشراف أمريكي مباشر، دون منح السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير أي دور فعلي، وهناك تلاقي مصالح واضح بين واشنطن وتل أبيب في هذا الإطار، فكلاهما لا يريد عودة السلطة إلى غزة، ويفضلان بقاء إدارة محدودة النفوذ تدار بأدوات دولية، بما يشبه "المحمية الأمريكية".
وأشار إلى أن وجود تقاطعات مصالح مؤقتة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وحركة حماس من جهة أخرى. ففي تصريحات سابقة، أكد القيادي في الحركة موسى أبو مرزوق على ضرورة بقاء حركة حماس في غزة مع الحفاظ على سلاحها، باعتبار ذلك عاملاً لضمان الأمن في مناطق المستوطنات المحيطة بالقطاع، محذرا من أن غياب الحركة قد يؤدي إلى حالة من الفوضى.
واختتم الخطيب بالتأكيد على أن الطريق لا يزال طويلا أمام تنفيذ أي اتفاق وفق الرؤية العربية والفلسطينية للحل، القائمة على إنهاء السيطرة الإسرائيلية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. في المقابل، يرى أن المقاربة الأمريكية قد تقود إلى تحويل غزة إلى كيان شبه مستقل يخضع لرقابة دولية وأمنية أمريكية، وهو ما يتعارض مع حل الدولتين، ويحول القطاع في نهاية المطاف إلى منطقة نفوذ دولي بلا سيادة فلسطينية حقيقية.
أما المحلل السياسي محمد الشياب، فيرى أن محاولة ترامب تطبيق فكرة "تجميد الجبهات" في غزة بشكل مماثل لخطته التي طرحها مؤخرا على موسكو وكييف، مختلفة الظروف تماما.
وقال الشياب لـ إرم نيوز إن تجميد القتال في أوكرانيا يستند إلى خطوط تماس واضحة بين جيشين نظاميين، بينما في غزة تتشابك المناطق، وتتحكم حركة حماس بشبكة أنفاق وأحياء مدنية؛ ما يجعل فكرة التجميد الميداني مستحيلة عمليا.
وأضاف أن ما يُطرح اليوم في غزة ليس هدنة ثابتة، بل إعادة ترسيم للنفوذ، حيث تحاول إسرائيل بموافقة أمريكية ضمنية، بالاحتفاظ بالمناطق الشرقية للقطاع حتى الخط الأصفر، بحجة الردع والعقاب لحركة حماس، في حين تبقى باقي مناطق القطاع تحت إدارة فلسطينية محدودة، وهذا السيناريو يعني فعليا تقسيم غزة إلى منطقتين، واحدة خاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، وأخرى مرهونة بالمساعدات الدولية، وهو ما سيخلق واقعا جديدا لا يختلف كثيرا عن الوضع في الضفة الغربية.
ووسط هذه المعطيات تبدو حكومة نتنياهو عالقة بين ضغوط اليمين الداخلي من جهة، وضغوط البيت الأبيض من جهة أخرى، وفقًا لتقارير إسرائيلية، فإن تل أبيب لم تنفذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار بالكامل خشية أن تبدو ضعيفة أمام جمهورها، لكنها في الوقت نفسه تتجنب توسيع العمليات خوفًا من رد الفعل الأمريكي.
وفي وقت تتزايد فيه التوقعات بفشل خطة ترامب، فإن ذلك لا يعني بالضرورة عودة فورية للحرب، بل ربما يقود إلى تجميد العمليات العسكرية؛ ما يكرس واقعا ميدانيا جديدا تُبقي فيه إسرائيل على جزء من القطاع كمنطقة عازلة، وتحتفظ حركة حماس بالجزء الآخر تحت سيطرة محدودة.
وبينما يروج البعض لهذا السيناريو باعتباره "هدنة طويلة"، يرى آخرون أنه حرب مؤجلة، ستنفجر مجددا عندما تتضح حدود النفوذ والسيادة.