الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض طائرتين مسيّرتيْن تم إطلاقهما من اليمن
يعاني قطاع الاتصالات في لبنان من أزمات متراكمة نتيجة ضعف بنيته التحتية، والانقطاع المتكرّر للكهرباء، وتردّي الوضع الاقتصادي، الناجم بدوره عن تعقيدات المشهد السياسي والأمني، وحروب إسرائيل المتكرّرة.
من هنا جاء الاتصال الأخير بين الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، والرئيس اللبناني جوزيف عون، ليمنح أملًا للبنانيين التوّاقين إلى "إنترنت سريع" قد تؤمّنه شركة "ستارلينك" المتخصصة في الإنترنت الفضائي.
وأبدى ماسك اهتمامه "العميق" بقطاعَي الاتصالات والإنترنت في لبنان، خلال المكالمة، معربًا عن رغبته في أن يكون لشركته حضور في السوق اللبناني، الذي لا ترقى خدمات الإنترنت فيه إلى "المعايير العالمية"، بحسب المستخدمين، لأسباب عديدة تقنية وفنية وأمنية وسياسية.
وكانت هذه المكالمة تتويجًا لحوار مستمر حول منح ترخيص لـ"ستارلينك" من قبل لبنان، بعد مناقشات أجراها المدير العالمي للشركة سام تيرنر مع مسؤولين لبنانيين بهدف إدخال الخدمة إلى البلاد.
ورغم أن الإعلان قوبل بترحيب واسع من اللبنانيين، وأشاع أملًا بحل هذه المعضلة المزمنة، فإن الشركات الخاصة المزوّدة لخدمة الإنترنت أبدت تحفّظات حيال الخطوة، إذ يخشى مالكوها من منافس "تصعب مجاراته"، فيما برزت كذلك تساؤلات بشأن "الأمن السيبراني" للبلاد، بعد دخول "غول" فضائي إلى لبنان، ومدى التزامه بـ"سيادة البلاد".
ومن المعروف أن "ستارلينك" شبكة إنترنت فضائي تديرها شركة "سبيس إكس" التي أسّسها ماسك، وتعتمد على آلاف الأقمار الصناعية المنخفضة المدار لتوفير إنترنت عالي السرعة، لا سيّما في المناطق التي تعاني من ضعف في البنية التحتية التقليدية، وهو ما ينطبق على لبنان.
وبرز اسم شركة "ستارلينك"، على نحو خاص، بعد تفعيل الشبكة خدماتها في أوكرانيا خلال الحرب، لتأمين الاتصالات في حال الطوارئ، واحتجاج موسكو على هذا الإجراء.
ومع أن فكرة إدخال "ستارلينك" إلى لبنان ليست جديدة، فإن الاتصال الأخير بين ماسك وعون مهّد الطريق لنقل الفكرة إلى واقع عملي، إذ أكدت وزارة الاتصالات اللبنانية أن الاجتماعات ستُكثّف، خلال المرحلة المقبلة، لمتابعة الملف مع الجانب الأمريكي، واتخاذ الإجراءات اللازمة.
في بلد محدود الموارد والإمكانيات، يُثير دخول "ستارلينك" أسئلة حول مفهوم "السيادة"، وهو المصطلح الذي شاع كثيرًا في الحقل السياسي اللبناني، بالنظر إلى التدخلات الإقليمية الواسعة في شأن هذا البلد، الذي صادر فيه "حزب الله"، لعقود، قراره السياسي بدعم إيراني، بحسب خبراء، فضلًا عن "الوصاية السورية" التي تراجعت بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 2005، وانتهت عقب سقوط نظام الأسد أواخر العام الفائت.
وكان من البديهي أن يتكرّر الحديث عن هذا المفهوم تزامنًا مع الحديث عن التعاون مع "ستارلينك"، إذ يُحذّر خبراء من مدى قدرة لبنان على حماية سيادته الرقمية، في ظل وجود عملاق فضائي كـ"ستارلينك"، التي تمثّل "قوة ناعمة ذات نفوذ واسع"، قد تؤثّر على المشهد السياسي المعقّد في لبنان، وعلى استقلالية قراره.
ورغم التطمينات التي قدّمتها وزارة الاتصالات اللبنانية، إذ أكّدت أن "حماية السيادة الرقمية تُعدّ من أولويات المرحلة، وأنها تعمل بالتنسيق مع الجهات الفنية والأمنية على إعداد إطار قانوني ورقابي يُنظّم هذه العملية ويضمن حماية البيانات"، فإن ذلك لم يُبدّد الهواجس المشروعة بشأن الأمن السيبراني للبلاد، والخشية من "التجسس"، إذ يمكن لإسرائيل "القريبة" أن تستغلّ الشبكة لمثل هذه الأغراض، بحسب خبراء.
أثار الإعلان، كذلك، قلق الشركات الخاصة المزوّدة لخدمة الإنترنت في البلاد، إذ حذّرت هذه الشركات من أن دخول "ستارلينك" إلى لبنان سيفقدها الكثير من الزبائن الباحثين عن خدمة إنترنت سريع ومستمر، لا تستطيع هي تأمينها لأسباب معروفة.
ووفقًا للتقديرات، قد تفقد هذه الشركات نحو 25% من مستخدميها.
وسرعان ما بادرت هذه الشركات إلى توجيه رسالة لكل من رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ولجنة الاتصالات النيابية، طالبت فيها بتنظيم دخول "ستارلينك" بطريقة مدروسة تراعي القوانين المحلية، وأن يكون هذا الحضور بشكل تدريجي يضمن التوازن ويحمي مصالح تلك الشركات.
ووسط قلق القطاع الخاص، يشير بعض المتفائلين إلى أن الكلفة المرتفعة لاشتراك "ستارلينك" مقارنة بالتعرفة المحلية، تجعلها بعيدة عن المنافسة.
وثمة من يخفف من تأثير هذا الإجراء بالقول إن ستارلينك ذاتها قد لا تحقق المطلوب، إذ تشير تقارير إلى أن مستخدمي "ستارلينك" حول العالم يواجهون انقطاعات مفاجئة وضعفاً في الإشارة في مناطق عدة بفعل العوامل الجوية والعوائق الطبيعية، فضلا عن الأعطال التقنية التي يصعب حلها لعدم وجود جهة معينة يمكن الاتصال بها لحل المشكلة، وهو ما قد توفره الشركات المحلية.
وثمة نقطة ذات خصوصية في المثال اللبناني، وهي أن النظام السياسي في لبنان قائم على المحاصصة الطائفية، وعلى اعتبار أن قطاع الاتصالات يعتبر من القطاعات ذات الربح المرتفع، فقد يثير دخول "ستارلينك "انقسامات سياسية"، بحسب خبراء.
ويعزو خبراء مثل هذا الاحتمال إلى أن "ستارلينك" قد تهدد مكاسب بعض النخب السياسية التي تحتكر هذا القطاع، والتي قد تسعى لعرقلة المشروع من أساسه، حفاظا على مصالحها؛ الأمر الذي ينبئ بسجالات سياسية محتدمة في صفوف الطبقة السياسية الحاكمة.