بعد أنباء عن محاولة "مزعومة" لاغتياله، جدّد الزعيم الشيعي العراقي، مقتدى الصدر، عزمه مقاطعة الانتخابات المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فارضاً جدلاً على المشهد وغموضاً على المستقبل السياسي للبلاد.
وبينما نفى الصدر "شائعات" مؤامرة اغتياله، إلا أنه ألقى بسلسلة من التحذيرات من أن البلاد مُعرّضة لخطر صراع داخلي، في أحدث مؤشرات على التوترات المُتصاعدة في العراق، والتي يُعزى بعضها إلى رفضه المشاركة في الانتخابات المُقبلة.
وستكون انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني أول انتخابات تُجرى دون مشاركة التيار السياسي للصدر الذي كان قد ترك الساحة السياسية عام 2022 بعد عجزه عن تشكيل حكومة عقب انتخابات 2021، لكنه أعلن عن تشكيل ما يُسمى بالتيار الوطني الشيعي العام الماضي، مما أثار تكهنات بعودته إلى الساحة السياسية.
إلا أن الزعيم الشيعي كرّر رفضه المشاركة عدة مرات خلال عام 2025، مشيراً إلى فساد في النظام السياسي، وفق تقرير لموقع "المونيتور" الأمريكي.
ووفق محمد صالح، وهو زميل غير مقيم في معهد أبحاث السياسة الخارجية، فإن بيان الصدر يوم الاثنين، يشكل "تحذيراً" لأي شخص يسعى إلى جرهم إلى مواجهة، مضيفاً أن التهديدات المزعومة، سواء كانت حقيقية أم لا، تثبت أهميته المستمرة في السياسة العراقية.
ويضيف "من الواضح أنه على الرغم من كونهم خارج العملية السياسية، فإن الصدر وتياره الوطني العراقي يظلان لاعبين سياسيين واجتماعيين مهمين".
وأدّى انسحاب الصدر من الساحة السياسية عام 2022 إلى صدامات بين أنصاره والميليشيات الشيعية المنافسة في بغداد. وكان قد برّر قراره حينها، بأنه قد جاء عقب فشله في الحصول على دعم كافٍ من الأحزاب المنافسة لتشكيل حكومة، رغم فوزه بالمركز الأول في انتخابات 2021. وحصد التيار الصدري أكبر عدد من الأصوات في تلك الانتخابات، وهي الأحدث في البلاد، بنسبة 10% إجمالاً.
في نهاية المطاف، شكّل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بدعم من خصوم الصدر الشيعة المدعومين من إيران في إطار التنسيق، حكومة بعد نحو عام من المفاوضات، ليحاول الصدر تشكيل ائتلاف مع أحزاب كردية وعربية سنية، متجاوزاً حلفاء إيران في إطار التنسيق.
يشكل المسلمون الشيعة حوالي 60% من سكان العراق، بينما يشكل السنة حوالي 34%. أما الأكراد، وهم في الغالب من المسلمين السنة، فيشكلون حوالي 20% من السكان.
ويعتقد محمد العراقي، وهو أحد المقربين من الصدر، في منشور على فيسبوك الأسبوع الماضي، أن الزعيم الشيعي لن يعود إلى السياسة، إلا إذا حدثت تغييرات سياسية شاملة، مضيفاً أن "البديل الحقيقي لمقاطعة الانتخابات هو تغيير الوجوه الحالية وإزالتها".
وتعليقاً على تعهد الصدر بعدم المشاركة في انتخابات نوفمبر، في إشارة إلى قاعدته الشعبية الواسعة، يضيف العراقي "من المؤكد أن ذلك سيُقوّض شرعية النظام السياسي. ومع ذلك، فقد أثبتت السنوات الثلاث الماضية أن العراق يُمكن أن يُحكم بدون الصدر".
ومن المتوقع أن تكون نسبة المشاركة منخفضة في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، وقد انخفضت نسبة المشاركة في جميع الانتخابات العراقية منذ الإطاحة بصدام حسين عام 2003. وبلغت نسبة المشاركة 43% في انتخابات 2021، مقارنة بنحو 80% في انتخابات 2005، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى اللامبالاة وخيبة الأمل في العملية السياسية.
ويشير صالح إلى وجود "خلافات عميقة" بين القوى السياسية الشيعية في العراق قبل الانتخابات، وتحديداً بين الصدر والجماعات الموالية لإيران وبين السوداني وحلفائه في الإطار التنسيقي.
وسيطرت إيران على المشهد السياسي في العراق، حيث أقامت علاقات مع سياسيين بارزين مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتدعم عدداً من الميليشيات في البلاد، بما في ذلك كتائب حزب الله.
وسعى السوداني إلى موازنة علاقاته مع إيران وسعيه إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والاستثمارات الغربية في العراق. في أغسطس/آب، سحبت الحكومة قانوناً مثيراً للجدل كان من شأنه توسيع دور قوات الحشد الشعبي في العراق وسط معارضة أمريكية. وتحظى العديد من هذه الميليشيات بدعم إيراني.
وللصدر أيضاً علاقات تاريخية واسعة مع إيران، إذ درس فيها قبل الغزو الأمريكي عام 2003. وكانت آخر زيارة له إلى جار العراق عام 2019. وقد حظي جيش المهدي التابع للصدر، المنحل حالياً، والذي قاتل القوات الأمريكية خلال الحرب، بدعم طهران.
واختلف الصدر مع الأحزاب الشيعية الموالية لطهران في العراق بشأن بعض القضايا السياسية في السنوات الأخيرة، ولعل أبرزها عام 2019 عندما دعم في البداية الاحتجاجات المناهضة للحكومة في ذلك العام. ودعت المظاهرات إلى القضاء على الفساد والطائفية والنفوذ الإيراني في البلاد.
ويضيف صالح أن الوضع في المنطقة يكشف عن الانقسامات في المجتمع العراقي، مشيراً إلى الإطاحة بالرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي والخسائر التي تكبدتها وكلاء إيران ضد إسرائيل.
ويقول: "أصبح السنة العراقيون أكثر جرأة في خطابهم، مشيرين إلى صعود الجماعات السنية في سوريا وتراجع المعسكر الذي تقوده إيران في السنوات الأخيرة". ويضيف "قد تُؤجج التوترات الإقليمية الانقسامات السياسية والحزبية والطائفية، مما قد يُطيل أمد عملية تشكيل الحكومة بعد نوفمبر".
ويعتقد لأنه لا توجد "مؤشرات" في الوقت الحاضر على أن الاشتباكات المسلحة على وشك الحدوث، مضيفاً أن "النظام السياسي العراقي يعاني من الهشاشة لكنه أظهر أيضا قدرته على الصمود إلى حد كبير".