الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تحوّلت ملايين أطنان الركام في قطاع غزة خلال عامين من الحرب إلى أداة بيد مقاتلي الفصائل الفلسطينية المسلحة، إذ وفرت بيئة مثالية لأسلوب "حرب العصابات" التي تستخدمها ضد قوات الجيش الإسرائيلي المتمركزة في مناطق عدة من القطاع.
وسمحت بيئة المعركة المغطاة بالركام بتمكين عناصر حركة حماس من التخفي، وزرع العبوات، وتنفيذ الكمائن، وهو ما ظهر في مدينة رفح التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي بالكامل ويحاصرها منذ عدة أشهر، لكنها شهدت عمليات عسكرية ضد قواته.
ويرى محللون أن الركام الذي خلفته الحرب أصبح عبئًا على الجيش الإسرائيلي، الذي يواجه صعوبة في الرصد والمناورة، ما يضعف قدرته على الحسم العسكري، ويقوّض تحقيقه هدف "النصر المطلق" الذي تضعه القيادة السياسية في إسرائيل، في حال عودة الجيش للقتال وفق سيناريوهات يستعد للتعامل معها.
يقول المحلل السياسي أشرف عكة، إن وصف ضابط في لواء "غولاني" للمعركة في رفح بأنها شبيهة بـ"ستالينغراد" ليس مجرد تشبيه عابر، بل يحمل ثلاث دلالات أساسية.
وبحسب عكة، فإن "هذا التصريح اعتراف مباشر بحجم الاستنزاف الذي تتعرض له القوات الإسرائيلية في بيئة حضرية مدمرة، وهو إقرار ضمني بفشل الاستخبارات العسكرية في تتبع الأنفاق ومراكز التحرك تحت الركام، ورسالة نفسية موجهة للداخل الإسرائيلي بأن الجيش يخوض حربًا وجودية، في محاولة لتبرير الخسائر المتزايدة وتهيئة الرأي العام لصراع طويل الأمد".
وأضاف لـ"إرم نيوز": "تشبيه رفح بستالينغراد يستدعي من الذاكرة العسكرية واحدة من أكثر معارك الشوارع دموية وتعقيدًا، حيث لا توجد خطوط جبهة واضحة، وتتحوّل كل زاوية وكل مبنى مدمر إلى مصدر تهديد".
وأشار عكة إلى أن حركة حماس استثمرت هذه البيئة لتنفيذ عمليات نوعية باستخدام التضاريس المدمرة للتخفي والمباغتة، حتى في مناطق يُفترض أنها مؤمّنة بالكامل.
وقال إن "أحداث رفح تشير إلى أن الأنفاق لا تزال تشكل عمقًا عملياتيًا فعالاً لحركة حماس. كما أن تآكل فاعلية المراقبة الجوية، خصوصًا الطائرات المسيّرة، في تعقّب المقاتلين داخل الركام، يضرب التفوق الجوي والاستخباري".
وأوضح أن "حصار رفح يواجه مأزقًا ميدانيًا حقيقيًا، إذ لا تزال القوات الإسرائيلية عاجزة عن فرض سيطرة كاملة على الأرض، ما يعكس عمق الأزمة العملياتية التي يعيشها الجيش في غزة، وتحديداً في رفح، حيث تعقيدات التضاريس والركام ما يمنح حركة حماس قدرة عالية على المناورة والمباغتة".
وأضاف: "ما يجري في رفح هو معركة استنزاف طويلة تعيد إنتاج مأزق العمليات البرية في غزة، إذ لا تتناسب السيطرة الميدانية المعلنة أو الإنجازات المتحققة مع النصر الساحق الذي يروّج له رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
من جهته، قال المحلل السياسي، فراس ياغي، إن "إسرائيل اعتمدت سياسة الهدم الممنهج في قطاع غزة بهدف التهجير، لكنها لم تتوقع أن يتحول هذا الركام إلى عبء عليها".
وقال ياغي لـ"إرم نيوز": "الأنقاض استغلها عناصر الفصائل الفلسطينية لصالحهم عبر التخفي وصناعة الكمائن، ما جعل الركام سلاحًا بيد المقاتلين بدلاً من أن يكون لصالح إسرائيل".
وأضاف: "المقاتلون نجحوا في تحويل الركام إلى غطاء ميداني فعال، يسمح لهم بالتحرك والتخفي بعيدًا عن أعين القوات الإسرائيلية والطائرات المسيّرة"، مشيرًا إلى أن هذا الواقع ظهر في مدينة رفح، وقد ينسحب على مناطق أخرى في حال عودة الجيش الإسرائيلي للقتال الواسع في غزة.
وتابع: "الركام وطبيعة الدمار في غزة منح عناصر حركة حماس أفضلية ميدانية تزيد من زمن الاستهداف، وهو الفارق الزمني بين كشف المقاتل ومحاولة استهدافه، ما يمنح العناصر فرصة للاختفاء مجددًا تحت الأنقاض ويصعب على الجيش رصدهم أو ملاحقتهم".
وأوضح ياغي أن "وجود المقاتلين بين الأنقاض يشكل عبئاً ميدانياً على الجيش الإسرائيلي، إذ تعيق الأنقاض حركة الآليات الثقيلة وتمنع التوغل السريع، ما يجبر القوات للعمل في مناطق أكثر انكشافًا".
وقال: "الأنقاض تمثل بيئة مثالية للفصائل المسلحة في غزة، إذ يمكن لقناص أن يختفي دون أن تكتشفه إسرائيل، كما يستطيع مقاتل فردي أو مجموعة صغيرة استخدام الركام لزرع عبوات ناسفة أو تنفيذ عمليات قنص أو إطلاق قذائف مضادة، مما يصعّب مهام الجيش المهاجم".
وتابع: "الواقع الميداني يدفع لمراجعة تقديرات الجيش بشأن استخدام الأنقاض كأداة عسكرية، فلم تعد الطائرات المسيّرة قادرة على رصد المقاتلين في مبانٍ مدمّرة، بعكس ما كان في بيئة عمرانية قائمة".
وأشار إلى أن تداخل الأنفاق وركام المباني تحوّلا إلى أدوات تكتيكية فعالة في حرب العصابات، تشكل عامل قلق للواقع العملياتي الذي يطبقه الجيش الإسرائيلي.