الجيش الإسرائيلي: استعدنا خلال "عربات جدعون" 10 جثامين لإسرائيليين كانوا محتجزين في غزة

logo
العالم العربي
خاص

اللجنة الثلاثية في عمّان.. اختبار توازن القوى في الجنوب السوري

اللجنة الثلاثية في عمّان.. اختبار توازن القوى في الجنوب السوري
وزير الخارجية الأردني يلتقي نظيره السوري في عمان
15 أغسطس 2025، 6:55 ص

تثير اللجنة الثلاثية التي تشكّلت في عمّان، بمشاركة الأردن والولايات المتحدة والسلطة السورية الانتقالية، أسئلة جوهرية حول قدرتها على تجاوز حدود التفاهمات السياسية المبدئية إلى بناء آلية فعّالة لضبط الجنوب السوري.

ويظهر من طبيعة الأطراف المشاركة والأهداف المعلنة أن الهدف الفوري يتمثل في تثبيت الهدنة الهشة في السويداء، غير أن السياق الإقليمي وطبيعة الترتيبات المقترحة يوحيان بأن عمل اللجنة قد يمتد إلى ملفات أوسع تتصل بأمن الحدود وإدارة التوازنات المحلية، وسط بيئة تتداخل فيها الحسابات الأمنية مع الرهانات السياسية.

توافق أردني–أمريكي

قالت مصادر دبلوماسية عربية لـ"إرم نيوز" إن تشكيل اللجنة جاء في ظل تصاعد المخاوف من انهيار التهدئة التي تم التوصل إليها بعد جولة عنف غير مسبوقة في السويداء خلال يوليو الماضي، والتي كشفت هشاشة الترتيبات الميدانية القائمة، وعجز القوى المحلية عن احتواء المواجهات دون دعم خارجي.

أخبار ذات علاقة

جنود من الجيش الإسرائيلي يحملون علما درزيا

معبر الكرامة.. تحذيرات من تمدد إسرائيلي بالجنوب السوري تحت غطاء المساعدات

 

وأضافت المصادر أن تحركات الأردن لتشكيل اللجنة الثلاثية والتوافق مع دمشق ومع المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، كانت انطلاقاً من قراءة شاملة لمخاطر استمرار الاضطراب في الجنوب السوري، لارتباطه المباشر بالاستقرار الإقليمي وبموقع عمّان كوسيط مقبول من مختلف الأطراف.

هذا الإدراك دفعها إلى المبادرة نحو صيغة عمل تتيح ضبط الإيقاع الميداني، وتؤمّن في الوقت نفسه قناة سياسية يمكن البناء عليها في حال توسع دائرة الترتيبات لاحقاً.

فيما رأت واشنطن في المبادرة فرصة لضبط الإيقاع الأمني في منطقة حساسة من دون الانخراط المباشر في ترتيبات ميدانية معقدة. 

أما دمشق، فوجدت في الإطار الثلاثي وسيلة لإعادة تثبيت حضورها السياسي في الجنوب من خلال آلية معترف بها دولياً، من دون الدخول في مواجهات جديدة أو تحمل أعباء ميدانية منفردة.

أخبار ذات علاقة

آليات عسكرية إسرائيلية في القنيطرة

بعد عملية توغل ضخمة.. إسرائيل تكثف تحركاتها الجوية في الجنوب السوري

 

واعتبرت المصادر أن دمشق تعاملت مع الإطار الثلاثي باعتباره خطوة اضطرارية لعدم ترك مسار الجنوب يُدار بالكامل بين عمّان وواشنطن، أكثر منه فرصة لإعادة تثبيت نفوذ فعلي. 

كما أكدت المصادر أن تشكيل اللجنة لم يكن بطلب من دمشق، بل جاء نتيجة توافق أردني–أمريكي، ما دفع دمشق للقبول بتشكيل المسار تحت ضغط التطورات الميدانية والحسابات الإقليمية التي تضيق هامش مناورتها. وهدفها في ذلك البقاء ضمن دائرة المتابعة المباشرة لما يجري، ولو في إطار محدود الصلاحيات. وأضافت المصادر أن "هذا الحضور وإن منحها مقعداً في المشهد، لا يغيّر من واقع أن قدرتها على فرض شروطها في الجنوب تبقى مقيدة بعوامل محلية وإقليمية تتجاوز سيطرتها".

تنسيق ثلاثي بمهام محدودة

في حين ترى واشنطن في المسار الثلاثي فرصة لضبط الإيقاع الأمني في منطقة حساسة من دون الانخراط المباشر في ترتيبات ميدانية معقدة، مع الحفاظ على هامش حركة يسمح لها بالتأثير على مسار الأحداث عبر شريك إقليمي موثوق كالأردن.

أخبار ذات علاقة

قوات إسرائيلية في الجولان

بالقواعد وتسليح الفصائل.. إسرائيل تفرض واقعا ميدانيا جديدا في الجنوب السوري

 

 هذا النهج يتسق مع سياسة أمريكية أوسع في سوريا تقوم على التركيز على آليات تنسيق منخفضة التكلفة تتيح مراقبة التطورات واحتواء المخاطر، من دون الاضطرار إلى الدخول في التزامات طويلة الأمد أو مواجهة تحديات إدارة الملف الأمني على الأرض، وفق المصادر الدبلوماسية.

المصادر الدبلوماسية بيّنت لـ"إرم نيوز" أن المداولات الثنائية بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ونظيره السوري أسعد الشيباني؛ يوم الثلاثاء الفائت، ركزت على توصيف دقيق للوضع في السويداء وكيفية منع الهدنة من التآكل بسرعة. حيث جرى التوافق على أن أي خطوات لاحقة ينبغي أن تمر عبر قنوات واضحة ومعلنة، وأن التواصل مع الأطراف المحلية داخل المحافظة يُدار على نحو يحفظ حساسية البنية الاجتماعية هناك ولا يحمّل الهدنة رسائل سياسية زائدة عن طاقتها.

أخبار ذات علاقة

أولي البأس

هل تتحول جبهة "أولي البأس" إلى شرارة حرب كبرى في الجنوب السوري؟

 

كما سعى الجانب الأردني إلى تثبيت قاعدة عملية مفادها أن عمّان ستكون منصة التنسيق والمتابعة الأولى، بما يضمن سرعة التعامل مع الحوادث الطارئة ويُبقي الاتصالات في إطار مؤسسي واحد.

وأما على صعيد الأجندة لعمل اللجنة الثلاثية، فإن المهام المعلنة تقتصر على تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء ومتابعة الوضع الإنساني هناك، لكن المصادر تشير إلى أن هناك ملفات يجري التحضير لها بهدوء، مثل تحسين تبادل المعلومات حول التحركات في الجنوب السوري، وضمان انسياب المساعدات بعيداً عن التوظيف السياسي. "هذا الإطار المحدود يعكس رغبة الأطراف في اختبار قدرة اللجنة على إنتاج نتائج ملموسة خلال فترة قصيرة، قبل التفكير في أي توسيع لمهامها أو صلاحياتها مثل أمن الحدود وملفات أخرى مشتركة يحددها مستوى التعاون".

بين الضرورة الأمنية والحسابات السياسية

تبعات تشكيل هذه اللجنة تتجاوز البعد الميداني المباشر في السويداء، فنجاحها حتى ولو في حدود وقف إطلاق النار، يمكن أن يعيد رسم أدوار الفاعلين في الجنوب، ويمنح الأردن موقعاً أكثر رسوخاً كقناة اتصال إقليمية ودولية في الملف السوري، وفق حديث المحلل السياسي سليم العمري لـ"إرم نيوز".

أخبار ذات علاقة

دبابات إسرائيلية تدخل المنطقة العازلة في سوريا

عبر تصعيد غير مسبوق.. إسرائيل ترسم المشهد الأمني في الجنوب السوري

 

كذلك أضاف العمري بأن الحضور السوري في هذه الصيغة جاء مدفوعاً بضرورة احتواء تداعيات أحداث السويداء على سلطة دمشق الانتقالية نفسها. وتابع قائلاً "مشاركة وزير الخارجية أسعد الشيباني عكست إدراكاً بأن ترك الملف ليتبلور بين عمّان وواشنطن قد يفضي إلى ترتيبات تتجاوز القرار المركزي في دمشق.

 ومن خلال القبول باللجنة الثلاثية، تسعى السلطة الانتقالية إلى مراقبة المسار الأمني والإنساني في السويداء، والحفاظ على قناة مباشرة مع كل من الأردن والولايات المتحدة، ضمن سقف لا يلزمها بتنازلات سياسية كبرى، لكنه يمنحها شرعية المشاركة في إدارة الأزمة".

وفي سياق مواز اعتبر العمري أن المقاربة الأمريكية في المسار الثلاثي مرتبطة بقراءة دقيقة لتوازن القوى في الجنوب السوري، حيث تسعى واشنطن إلى إبقاء الوضع تحت السيطرة عبر أدوات ضغط غير مباشرة، مع ترك هامش الحركة الأساسي للشريك الأردني. هذه المقاربة تمنحها قدرة على مراقبة التطورات والتأثير فيها من دون تحمل كلفة الانخراط الميداني أو السياسي المباشر، وفي الوقت نفسه تتيح لها اختبار صيغة عمل جديدة يمكن تكرارها في مناطق أخرى إذا أثبتت نجاحها. "بالنسبة لواشنطن، يشكل الجنوب السوري نموذجاً مصغراً لإدارة الأزمات المعقدة عبر ترتيبات محلية–إقليمية محدودة النطاق، لكنها مدعومة بغطاء دولي يضمن بقاء مسارها تحت المراقبة المستمرة".

أخبار ذات علاقة

بقايا دبابة مدمرة، في أعقاب اشتباكات مدينة السويداء في سوريا

خبراء: اجتماع باكو سيرسخ "خطوط تهدئة" في الجنوب السوري

 

ورأى أن واشنطن تعد اللجنة الثلاثية كأداة لضبط الإيقاع الإقليمي في الجنوب السوري أكثر من كونها منصة للانخراط الميداني المباشر. مضيفاً بالقول أنه و "من خلال منح الأردن الدور التنفيذي الأساسي، تختبر الولايات المتحدة نموذجاً عملياً لـالاستقرار بالوكالة، حيث تتولى دولة إقليمية إدارة التفاصيل الميدانية تحت إشراف سياسي وأمني أمريكي غير مباشر.

وفي خلفية هذه المقاربة، يظل الملف السوري مرتبطاً لدى واشنطن بترتيبات أوسع تمس أمن الأردن واستقرار الحدود الشمالية لإسرائيل، ما يجعل اللجنة قناة اتصال مرنة يمكن توظيفها مستقبلاً لمعالجة قضايا تتجاوز عنوان السويداء المعلن".

في المحصلة، فإن اللجنة الثلاثية في عمّان تمثل لحظة تقاطع بين الضرورة الأمنية والحسابات السياسية. هي محاولة لخلق مساحة مشتركة لإدارة أزمة محلية ذات أبعاد إقليمية، من خلال صيغة مرنة لا تُلزم الأطراف بأكثر مما تستطيع تحمله في الظروف الراهنة.

لكن بقدر ما تبدو هذه الصيغة قابلة للحياة على المدى القصير، فإن استدامتها ستظل رهناً بقدرة الأطراف على الانتقال من إعلان النوايا إلى الفعل الملموس، ومن إدارة الأزمة إلى معالجة جذورها.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC