قالت مصادر أهلية في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، إن الاتفاق المبرم بين حكومة دمشق والقيادات الدرزية ما زال هشًّا، بعد هجوم بالمسيرات من قبل عشائر البدو على مدينة شهبا، واشتباكات في عريقة ونجران، مشيرة إلى أن الموافقة على شروط الشيخ حكمت الهجري خلق موجة غضب عارمة.
وبينت أن الهجوم تسبب بإخراج عائلات البدو من المحافظة وسط ردود فعل غاضبة من قبل مؤيدي الحكومة السورية، واصفين العملية بأنها أول عملية "تغيير ديمغرافي" بعد سقوط نظام الأسد، ومتهمين السلطات بـ"الخضوع" لشروط الهجري، على حد تعبيرهم.
وذكرت مصادر خاصة في السويداء (إعلامية وأهلية)، أن أكثر من ألف مقاتل من العشائر حاولوا العبور من حاجز للأمن العام السوري بين بلدة بصر الحرير والسويداء، بهدف تحرير أسراهم ومختطفيهم لدى الفصائل الدرزية بالسويداء، لكن قوى الأمن العام السوري منعتهم من التقدم باتجاه السويداء، ووجهت إليهم رسائل تحذيرية بإطلاق النار فوق رؤوسهم.
وأضافت المصادر، أن الجهة الغربية في السويداء شهدت هدوءًا نسبيًّا، بينما اندلعت اشتباكات، بين مقاتلي العشائر وفصائل السويداء في عريقة ونجران والمناطق المحيطة بهما، وأن الشكوك ما زالت كبيرة بإمكانية صمود الاتفاق، نظرًا لوجود قوى عديدة وفصائل تتبع للحكومة ولا تخضع لأوامرها حتى الآن.
أجلت فصائل السويداء المحلية اليوم الاثنين، حوالي 300 شخص كانوا محتجزين أغلبيتهم من عشائر البدو، وذلك بواسطة حافلات إلى بلدة بصر الحرير شرقي درعا.
وأوضح مكتب العلاقات العامة في محافظة درعا، أن عدد الأشخاص الذين خرجوا من السويداء إلى الآن أكثر من 300، لكن لا يوجد إحصاء دقيق إلى الآن.
ويأتي إجلاء العائلات من السويداء ضمن اتفاق يقضي بإخراج جميع المدنيين الراغبين في مغادرة محافظة السويداء بسبب الظروف الراهنة، إلى حين تأمينهم وضمان عودتهم الآمنة إلى ديارهم، بحسب ما نقلته الوكالة السورية الرسمية (سانا) عن قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء، العميد أحمد الدالاتي.
واستقبل الدالاتي، وقائد الأمن الداخلي في محافظة درعا العميد شاهر عمران، عوائل البدو، حيث تم إجلاء هذه العوائل وسط انتشار ميداني واسع لقوى الأمن الداخلي، التي عملت على تأمين المنطقة وضمان سلامة المدنيين.
وكانت حافلات الحكومة دخلت في وقت مبكر من فجر اليوم، إلى مدينة السويداء لإجلاء 1500 شخص من عشائر البدو.
بالمقابل، شن مؤيدو الحكومة السورية حملة واسعة ضد قرار إخراج العائلات البدوية من محافظة السويداء، رغم أنه "مؤقت ريثما تهدأ النفوس"، واصفين موقف السلطات بالضعيف، ومتهمينها بالخضوع لمطالب الفصائل الدرزية بقيادة الشيخ حكمت الهجري.
وقال الناشط الإعلامي سفيان اليوسف: إن ما يشهده الجنوب السوري يشكل تحوّلًا خطيرًا، معتبرًا أن ما جرى هو "بداية لأول تغيير ديموغرافي بعد سقوط نظام الأسد" .
وأضاف اليوسف "في سابقة لم تشهدها سوريا منذ بداية سقوط النظام السابق، تم حتى الآن تهجير أكثر من 1500 عائلة من أهلنا البدو في ريف السويداء، ضمن سياسة ممنهجة لتغيير البنية السكانية في المنطقة".
وذكر بأنه "بعد أيام من التصعيد، تم إعلان وقف إطلاق النار بشكل نهائي، لكن بعد أن فُرض واقع جديد على الأرض.. السويداء باتت فعليًّا خارج سيطرة الدولة أمنيًّا وسياسيًّا.. في تطور يعكس هشاشة الوضع وغياب الدولة نهائيًّا، ويطرح تساؤلات كبرى" حسب قوله.
واعتبر ما يحدث "ليس حدثًا عابرًا"، وإنما بداية لمرحلة جديدة، تحمل في طياتها تحديات خطيرة على مستقبل سوريا ووحدتها، وفقًا للناشط والصحفي السوري.
من جهته، زعم الباحث حسام حاج عمر أن "بيان حكمت الهجري حول وقف إطلاق النار في السويداء تضمّن بشكل صريح شرط تهجير عشائر المحافظة من المسلمين السنّة إلى خارجها"، معتبرًا أن هذا الشرط يمثّل "انحدارًا خطيرًا في الخطاب الطائفي"، وفق قوله.
وأضاف حاج عمر في منشور له، أن "ما جرى بحق هذه العشائر من انتهاكات ومجازر على يد ميليشيات الهجري يتجاوز إطار المواجهات التقليدية"، وفق تعبيره.
وأكد أن عمليات القتل والذبح طالت عائلات كاملة من الرجال والنساء والأطفال، وترافقت مع تمثيل بالجثث، وحرق، وتهجير جماعي على أساس طائفي بحت، وذلك في مزاعم لم تثبت صحتها، واعتمدت في معظمها على صفحات تحريضية وفيديوهات اتضح أنها قديمة ولا تمت بصلة لأحداث السويداء.
آخرون صبوا جام غضبهم على الحكومة السورية، دون أن يوجهوا انتقاداتهم للسلطات المسؤولة عن قرار الهجوم وقرار الاتفاق، واتهموا الحكومة بالانفصال عن الواقع، وإعلامها بالتغطية على "الحدث المأساوي" عبر نقل اجتماعات تعقد في فنادق فارهة، حيث تُعرض مخططات "طموحة" لما يسمى "دمشق الكبرى"، ويتداول المسؤولون مصطلحات تخطيطية لا تعني شيئًا لعائلة بدوية فقدت مأواها وكرامتها، حسب قولهم.
واتهم البعض الحكومة بالفشل معتبرين أن "هذا الانفصال المريع بين السلطة ومعاناة الناس لا يعكس فشلًا إداريًّا فقط، بل يكشف أزمة أخلاقية عميقة، ويثبت أن هذه الحكومة هي حكومة حماية أقليات، وليست حكومة لكل السوريين بكل طوائفهم ومكوناتهم" حسب قولهم.
الكاتب السياسي السوري، مازن بلال، رأى أن ما يحدث في السويداء بدءًا من الخطأ الأول بإطلاق الهجوم العسكري على المدينة، وصولًا إلى الخطأ الأخير بإخراج البدو اليوم من منازلهم وأملاكهم، هو مسؤولية السلطة أولًا وأخيرًا، مؤكدًا أن سوريا بأكملها تتحول لمجتمعات محلية مغلقة في ظل غياب السياسة، ولا أحد خارج الخطر.
وقال بلال في تصريح لـ "إرم نيوز" إن سوريا تأسست عبر الاعتراف بالجميع، ويمكنها أن تستمر بهذا النهج ذاته مهما تغيرت الظروف، أو تبدلت أشكال الحكم، فالشرط السوري هو التنوع وليس معادلة الأكثرية في مواجهة الأقليات التي كانت قائمة في ظل الإمبراطورية العثمانية.
وأضاف "أما قيم الجمهورية التي ظهرت منذ معارك الاستقلال الأولى فهي مبنية على الاعتراف بأن التنوع حياة، وأن السياسة في جوهرها شراكة قائمة على التنافس وليس على النزاع".