ظهرت الفصائل المسلحة في السويداء مع بداية الأحداث في سوريا عام 2011، لكنها لم تتبلور إلا مع حلول عام 2013، عندما بدأ المنحى المسلح يأخذ بعدًا رئيسًا في الصراع بين السلطة والقوى المعارضة.
وترافق ذلك مع تصاعد الحوادث الأمنية التي شجّعت على انتشار ظاهرة الفصائل، بهدف الحفاظ على الأمن المحلي في كل منطقة.
تُعتبر حركة رجال الكرامة من أكبر الفصائل التابعة للمرجعيات الدينية في السويداء، والتي أسسها عام 2013 الشيخ وحيد البلعوس، وكان لها دور بارز في حماية المحافظة من التوترات الأمنية، كما حمت الملاحقين من قبل النظام والفارين من الخدمة العسكرية الإلزامية.
وأمّنت "حركة رجال الكرامة" انشقاق الجنود من الجيش، واشتهرت بمعارضتها الشديدة للنظام السوري، لكن اغتيال مؤسسها الشيخ وحيد البلعوس عام 2015، أوقع الحركة في مطب الخلافات.
وتولى الشيخ رأفت البلعوس قيادة الحركة بعد اغتيال أخيه وحيد، واستمر على الخط السياسي الملتزم بالمبادئ الأساسية التي وضعها الشيخ المؤسس، وفي مقدمتها: "وحدة الأراضي السورية، والانتماء إلى سوريا، وتحريم التعدي على السويداء، وتحريم التعدي على الآخرين".
وفي عام 2017، تولّى الشيخ يحيى الحجار رئاسة حركة رجال الكرامة بعد استقالة الشيخ رأفت البلعوس لأسباب صحية.
وشهدت الحركة انشقاقًا قاده ليث وفهد البلعوس، ابنا الشيخ البلعوس، وأطلقا عليه اسم "حركة شيخ الكرامة"، بعد خلافات مع الشيخ الحجار على خلفية الموقف من النظام السوري.
وأعضاء "الحركة" لا يتقاضون رواتب شهرية مقابل خدمتهم، وكل أسلحتهم وتجهيزاتهم تأتي من تبرعات مالية من مصادر غير حكومية.
ولا تزال حركة رجال الكرامة حتى اليوم من القوى الرئيسة في السويداء، حيث تواصل دورها في الدفاع عن المحافظة والتصدي للجهات الأخرى، وتُعد من أبرز الحركات المحلية المسلحة التي نجحت في الحفاظ على استقلاليتها وعدم خضوعها لأي نفوذ خارجي.
ظهرت قوات "رجال شيخ الكرامة" كفصيل مستقل عن الحركة الأم "رجال الكرامة"، واستوحت اسمها من إرث الشيخ البلعوس، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة بين أبناء السويداء.
ورغم انفصالها عن رجال الكرامة، فقد تبنّت مواقف مشابهة، مثل رفض الخدمة العسكرية الإلزامية خارج السويداء، ومواجهة الهيمنة الأمنية على المحافظة، والتصدي للعصابات والخارجين عن القانون؛ كما تبنّت خطابًا أكثر حدة تجاه النظام السوري.
وخاضت قوات شيخ الكرامة مواجهات مع أجهزة الأمن السورية، واتُّهمت بتنفيذ عمليات ضد مواقع حكومية وعناصر أمنية، خاصة بعد سلسلة اغتيالات استهدفت قادتها وأفرادها، كما دخلت في صراعات مع جماعات أخرى داخل السويداء، منها فصائل مدعومة من الأجهزة الأمنية أو من جهات خارجية.
وعلى مدار السنوات الماضية، تعرّضت القوات لانقسامات داخلية؛ بسبب الخلافات حول طريقة التعامل مع النظام السوري والعلاقات مع الفصائل الأخرى.
ومع تزايد الضغوط الأمنية، تراجع نشاطها بشكل ملحوظ، لكنها لا تزال تحتفظ بوجود محدود في السويداء.
يتبع "تجمع أحرار جبل العرب" لرجال الدين في السويداء، ويقوده الشيخ سليمان عبد الباقي، المعروف بقربه من الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز شيوخ العقل في المحافظة.
ويُعد عبد الباقي من الوجوه البارزة الداعمة لحراك السويداء، وقد وقف فصيله العسكري بوجه النظام لحماية المظاهرات السلمية، وكان من المؤسسين لحراك ساحة الكرامة.
ولعب التجمع دورًا في الضغط على النظام للإفراج عن معتقلي السويداء عبر خطف ضباط وعناصر ومبادلتهم، كما شارك في ملاحقة عصابات الخطف والمخدرات.
وشارك التجمع في اجتماعات بحث مستقبل السويداء ودور الطائفة الدرزية في سوريا الجديدة.
وأكد الشيخ عبد الباقي استعداد الفصائل للانخراط في الجيش السوري الجديد، مشددًا على أهمية الوحدة الوطنية والمشاركة الفعالة في بناء مستقبل البلاد، ويُتوقع أن يستمر التجمع في لعب دور فعّال في المرحلة الانتقالية.
في 24 فبراير/ شباط 2025، أُعلن عن تشكيل "المجلس العسكري للسويداء" من قبل مجموعة من العسكريين المنشقين عن النظام، وضباط متقاعدين، ومقاتلين محليين، يترأس المجلس العقيد طارق الشوفي، وهو ضابط منشق عن الجيش السوري.
وفق البيانات الأولية، فإن هدف المجلس هو حماية المجتمع الدرزي، وحراسة الحدود الجنوبية من تهريب الأسلحة وتحركات المتطرفين.
وتشير تقارير إعلامية إلى تنسيق غير معلن مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وتحالفات مع التحالف الدولي، حيث ظهرت أعلام مشابهة لـ"قسد" خلال عروض عسكرية.
ورفضت فصائل محلية، مثل "غرفة عمليات الحسم" و"العمليات المشتركة"، المجلس واعتبرته غير شرعي ولا يمثّل إلا مؤسسيه، واتهمته بمحاكاة نموذج "قسد" الانفصالي.
وأعلن المجلس تنسيقه الكامل مع الشيخ حكمت الهجري، لكن مشيخة العقل نفت أي علاقة مباشرة له بها، كما واجه المجلس اتهامات بالتواصل مع إسرائيل وبنسج علاقات إقليمية خارج إطار السويداء.
وفي بيانات لاحقة له، دعا المجلس مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لإرسال فرق تحقيق في الانتهاكات، وحذّر الدول الداعمة لـ"هيئة تحرير الشام" من تمويل جماعات تمارس التطهير الطائفي.
وأكد استعداده للتعاون مع أي جهة دولية جادة لحماية المدنيين ورفضه تسليم جبل العرب للفصائل المتطرفة أو لقوات الأمن العام.
درع التوحيد
فصيل مسلح يتبع الشيخ حكمت الهجري، مسؤول عن حمايته وأمنه، يتمركز في بلدته قنوات، ويقوده طارق المغوش، ويتكوّن من نحو 300 مقاتل.
إلى جانب الفصائل الكبيرة، تنشط فصائل مسلحة صغيرة، مثل "قوات العليا" بقيادة حسام سيف ورأفت بالي، و"تجمع سرايا الجبل" بقيادة وائل أبو قنصول، و"فصيل جيش الموحدين" بقيادة أسامة الصفدي، ويضمّ الأخير نحو 15 مقاتلًا فقط.
كما توجد "قوى مكافحة الإرهاب" أو "حزب اللواء السوري"، الذي توحّد مؤخرًا مع هذه الفصائل الصغيرة وأعلنوا مجتمعين رفضهم القطعي لحكومة دمشق.
وتبدو خريطة الفصائل المسلحة في السويداء مستقرة من حيث القوى الكبيرة، لكنها متغيرة في الفصائل الصغيرة التي كثيرًا ما تندمج أو تغير اسمها تماشيًا مع التحالفات المتبدلة.
