طالب خبراء، المبعوثة الأممية إلى ليبيا هانا تيتيه بترجمة رأي الشارع على أرض الواقع بعد تصريحاتها الأخيرة حول فقدان الشعب الثقة بالطبقة السياسية الحالية، خاصة في ظل استمرار حدة المظاهرات المطالبة برحيل رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، الذي كثّف من مبادرات التهدئة لإقناع المجتمع الدولي بضرورة بقائه.
وفي مؤشر لافت يعكس إصرار الأمم المتحدة على التعجيل بإنهاء حالة الجمود السياسي في ليبيا، من المنتظر اجتماع سفراء دول مؤتمر برلين خلال الأسبوع الثالث من شهر يونيو/ حزيران الجاري، وهم الذين شاركوا في عام 2021 في وضع خريطة طريق للأزمة، حيث ستقوم البعثة بعدها بترتيب لقاء وزاري للدفع بمخرجات اللجنة الاستشارية، وفق ما أفادت مصادر ليبية مطلعة.
استمالة الشارع
وتجري تيتيه عدة لقاءات في إطار عملية المشاورات الموسعة التي أطلقتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مع مختلف الأطراف، لاستطلاع الآراء حول المقترحات التي أعدتها اللجنة الاستشارية بشأن القضايا الخلافية العالقة في الإطار الانتخابي والعملية السياسية.
وحاولت المبعوثة الأممية تصحيح صورة عملها في نظر الليبيين بصفتها ممثلة لهيئة دولية، وكسب مواقف الشارع لصالح التغيير، حيث دعت خلال لقائها مع عدد من عمداء البلديات وأعيان مناطق غرب البلاد، إلى "عدم النظر إلى بعثة الأمم المتحدة كمؤسسة غربية تقف ضدهم".
وأضافت تيتيه، خلال الاجتماع الذي عقد في مدينة الزاوية، أن "الحكومة المقبلة يجب أن تكون انعكاسًا لتطلعات الليبيين، الذين فقدوا الثقة في الطبقة السياسية الحالية".
"الشعب فقد الثقة"
ويرى الباحث في الشأن السياسي إدريس احميد، أن "ما صرّحت به المبعوثة الأممية ليس بجديد، والدليل أن عدد المبعوثين وصل إلى 10، لذلك الشعب فقد الثقة في الأمم المتحدة"، وأضاف أن المطلوب من تيتيه، هو ترجمة ذلك، وإثبات أن الهيئة جادة في إنجاز التغيير المنشود في ليبيا من خلال مجلس الأمن ووقف الانقسام الحاصل داخله.
وفي نظر إدريس احميد في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "الرسالة قد وصلت، والمظاهرات التي خرجت، وتستمر إلى الآن في الجمعة الثالثة، متواصلة حتى تحقيق مطالبها"، مبينًا أن الرؤية أو كيفية ترجمة رأي الشارع غير واضحة؛ لأن الاحتجاجات أربكت المبعوثة الأممية عندما خرج الليبيون وطالبوا برحيل البعثة لعدم تقديمها حلًّا، واختتم قائلًا إن على "المبعوثة أن تمارس دورها وتحدد الخلل وترفع مطالب الليبيين؛ لأن الأزمة عميقة والظروف تدعو إلى تحريك جديد للمياه الراكدة".
إدارة الأزمة
ويأسف المحلل السياسي فرج فركاش، لعدم وجود "مخالب ولا أنياب للبعثة الأممية بحكم محدودية تفويضها حتى تمكّنها من فرض أي حل، لأن الهيئة ومِن ورائِها المجتمع الدولي يتحملون جزءًا من المسؤولية، من خلال استمرارهم في مجاملة الأطراف الداخلية الحالية المتصارعة على السلطة، وعلى النفوذ".
وحسب الباحث الليبي في تصريح لـ"إرم نيوز"، فقد أهملت أهم الملفات التي يمكن أن تحقق اختراقًا وتُسهم في حل الأزمة الليبية المستمرة والمتفاقمة، ومن أهمها المسار الدستوري الذي يعتبر الحل غير المجرّب حتى الآن، وهذا الإهمال أصبح يُنظر إليه من قبل غالبية الشعب الليبي أن البعثة والمجتمع الدولي من خلال إعادة تكرار الحلول السابقة والمجربة ذاتها، يريد فقط إدارة الأزمة بدلًا من حلّها جذريًّا.
وطالب فركاش بالتركيز على الحل غير المجرّب حتى الآن، الذي يكمن في التركيز على اعتماد دستور جامع سواء بطرح دستور لجنة الـ60 بعد تعديل بعض النقاط الخلافية أو دستور الـ51، في استفتاء شعبي يبني أساس الدولة ويوحّدها، وتُبنى على أساسه الانتخابات وتُزاح كل الأجسام الحالية، بدلًا من العودة 14 سنة للوراء أو نقطة الصفر، وتكرار الأخطاء ذاتها.
المسار الدستوري
ويعتقد جازمًا أنه لو تم طرح خيارات ومخرجات اللجنة الاستشارية من قبل البعثة للاستفتاء، فإن الشعب حتمًا سيختار المسار الدستوري الذي تمَّ إهماله طيلة هذه السنوات الماضية، والذي سيضع لبنات الدولة الحديثة الموحدة.
وحاليًّا يسعى الدبيبة إلى إقناع المجتمع الدولي بجدوى بقائه في الحكومة المقبلة، رغم حالة الغليان الشعبي في العاصمة طرابلس وعدد من مدن غرب البلاد، الذين يطالبون بتنحي حكومة الوحدة الوطنية، والتنديد بتغوّل الميليشيات واعتدائها على مؤسسات الدولة.
وقال الدبيبة، الثلاثاء، إنه سيطلق مبادرة سياسية تهدف إلى حل الأزمة السياسية المستمرة في البلاد منذ فترة طويلة، بما في ذلك خطط لإعادة هيكلة حكومته.