أظهرت عملية الإطاحة السريعة بشخصية ميليشاوية راسخة كعبد الغني الككلي في ليبيا، وتمديد الحكومة الموقتة في طرابلس حملتها ضد جهاز قوة الردع وآمر الشرطة القضائية أسامة نجيم، إمكانية تحييد بعض أمراء الحرب دون حملة عسكرية مطولة، لكنها نكأت جراح الليبيين مع خروقات الميليشيات التي أصبحت تملك سلطة القرار السياسي والاقتصادي بحسب اعترافات رسمية.
ومنذ مقتل قائد ما يسمى "جهاز دعم الاستقرار" عبدالغني الككلي، المعروف باسم "غنيوة" في طرابلس، انكشف حجم تدخل الفصائل المسلحة في صناعة القرار السياسي في ليبيا وتورطها في جرائم بالجملة ظلت غامضة لسنوات، حيث لا تزال تقاوم تفكيك نفسها وتسليم أسلحتها وتهدد المواطنين، آخرها ما أكدته إدارة جامعة التحدي الطبية الأهلية اليوم الاثنين، بـ"اقتحام مسلّح لحرم الجامعة وتموضع عدد من الآليات العسكرية داخلها"، منددة بإقحامها في الصراعات.
وكشفت تحقيقات أجراها "اللواء 444 قتال" التابع لحكومة الوحدة، مع عناصر موقوفة من جهاز دعم الاستقرار الذي تم تفكيكه، إقرارهم خلال الاستجواب بوجود مقبرة جماعية في مقره بمنطقة مشروع الهضبة بطرابلس، واعترفوا بأن أحد الجثامين يعود للفتاة رؤيا الأجنف، مواليد 2008، التي فقدت قبل ستة أشهر في ظروف غامضة.
ولم يكن جثمان رؤيا الوحيد؛ إذ عثر أيضا على "ثلاثة جثامين تعود لشبان مجهولي الهوية، وقد كانت محروقة بالكامل".
في المقابل، أكد ما يعرف بـ"جهاز دعم الاستقرار" في ليبيا، حفظه 45 جثة في مستشفى الحوادث أبو سليم أو مستشفى الهضبة الخضراء العام منذ عام 2020.
والسبت الماضي، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية الموقتة أن جهاز المباحث الجنائية باشر بتعليمات من النيابة العامة التحقيق في واقعة العثور على تسع جثث مجهولة الهوية داخل إحدى ثلاجات مستشفى الخضراء بطرابلس، مضيفة أن المستشفى "كان خاضعا في السابق لحماية جهاز دعم الاستقرار".
ولفت رئيس المؤسسة الوطنيّة لحُقوق الإنسان بليبيا أحمد حمزة، إلى ضرورة تحمل حكومة الوحدة الوطنية المسؤولية بمعالجة مسائل الإفلات من العقاب لجميع المسؤولين عن التشكيلات المسلحة الجهوية والقبلية وجلبهم للعدالة وتحقيق جبر الضرر لضحايا الجريمة المنظمة.
وطالب الحقوقي الليبي في تصريح لـ"إرم نيوز" السلطات بالامتثال لمبدأ الشمولية في معالجة تسريح وفك الارتباط بالمجموعات المسلحة ومكافحتها في كل المناطق الغربية دون استثناء منطقة أو مدينة عن أخرى.
واعترف رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة، عبدالحميد الدبيبة، بسطوة "غنيوة"، الذي كان يسيطر على ستة مصارف في الدولة، ومن يخالفه يدخله السجن أو المقبرة وفق قوله، وقال في كلمة تطرق خلالها الدبيبة إلى الأحداث في منطقة أبوسليم إن "الميليشيات تغولت، وسيطرت على كل المشهد السياسي والمالي والاقتصادي وحتى الاجتماعي"، متابعاً "الميليشيات انقسمت إلى ثلاث مجموعات: الأولى انسحبت وعادت لحياتها، والثانية اندمجت في مؤسسات الدولة، والثالثة اعتمدت على ابتزاز الدولة. جزء من هذه الميليشيات أصبح أكبر من الدولة، وعندما جاءت حكومتنا وجدنا هذا الواقع أمامنا، وحاولنا التعامل معهم بشكل هادئ وسلس".
وزاد عليه، آمر "اللواء 444 قتال" التابع لمنطقة طرابلس العسكرية مدير إدارة الاستخبارات العسكرية اللليبية اللواء محمود حمزة، تأكيده سيطرة غنيوة على مؤسسات الدولة، مثل رئاسة أركان القوات البرية، وجهاز الأمن الداخلي بقيادة لطفي الحراري، وكذلك ديوان المحاسبة.
وكشف خلال كلمته لضباط العمليات أن الككلي "أدخل قبل فترة 10 طائرات ذخيرة، ولديه مجموعة مرتزقة، وكان يجهّز للحرب". وأضاف أن غنيوة كان معه مرتزقة من أوروبا الشرقية واستعملوا ضدهم المدفعية والهاون.
ولا يختلف الأمر عن القيادي في جهاز الشرطة القضائية أسامة نجيم الذي نشرت المحكمة الجنائية الدولية، الأحد، أمرا بالقبض عليه، متضمنا 12 تهمة بينها جرائم قتل واغتصاب تنتظره عند المثول أمام المحكمة.
ووصف الدبيبة ما ورد في تقرير المحكمة الجنائية الدولية بشأنه بأنه "صادم"، متسائلا: "كيف نأتمن من اغتصب فتاة بعمر 14 سنة؟". ونفى أي علاقة له به، أو تدخله لإخراجه من إيطاليا.
ويشتبه في أن نجيم، الذي كان مسؤولاً عن سجون في طرابلس حيث احتجز آلاف الأشخاص لفترات طويلة؛ قد ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما في ذلك القتل العمد والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي في ليبيا اعتبارا من فبراير 2015، بحسب الموقع الإلكتروني للمحكمة.
وخلصت الدائرة التمهيدية بالمحكمة إلى أن الجرائم المنصوص عليها في أمر القبض "قد ارتُكبت من قبل نجيم شخصيا، أو بأمر منه، أو بمساعدة أفراد من قوات الردع الخاصة - المعروفة أيضا بالعامية باسم قوة ردع - (جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب)".
وأوضحت المحكمة الجنائية الدولية أن "الجرائم وقعت في سجن معيتيقة، ضد أشخاص سجنوا لأسباب دينية (مثل كون الشخص مسيحيا أو ملحدا)، أو بسبب انتهاكاتهم المتصورة للأيديولوجية الدينية لقوات الردع الخاصة (على سبيل المثال، الاشتباه في السلوك غير الأخلاقي والمثلية الجنسية)، ودعمهم المزعوم أو انتمائهم إلى الجماعات المسلحة الأخرى؛ أو لغرض الإكراه، أو مزيج مما سبق ذكره"