logo
العالم العربي

خبير جزائري: ضغط داخلي قد يدفع باريس للاعتراف بـ"جرائم الاستعمار"

خبير جزائري: ضغط داخلي قد يدفع باريس للاعتراف بـ"جرائم الاستعمار"
جزائريون وفرنسيون يحيون ذكرى "مجزرة 8 مايو 1945"المصدر: أ ف ب
14 مايو 2025، 10:32 ص

رغم استمرار التردد الفرنسي بشأن الاعتراف الواضح بـ"جرائم الماضي الاستعماري" في الجزائر، فإن الباحث الفرنسي الجزائري عدلان محمدي يرى أن الضغط المتزايد من داخل المجتمع المدني وبعض البرلمانيين الفرنسيين يمكن أن يخلق ديناميكية جديدة بهذا الصدد.

وفي لحظة سياسية دقيقة، حيث تصف باريس علاقتها مع  الجزائر بأنها "مجمدة تمامًا"، يقدم الباحث محمدي، مدير البحوث العلمية في مكتب AESMA المتخصص في الجغرافيا السياسية والعلاقات الفرنسية الجزائرية، رؤيته لتفكيك هذا الجمود وتشريح أبعاده.

أخبار ذات علاقة

وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل

باريس تلوح برد "حازم".. الجزائر وفرنسا إلى "دوامة دبلوماسية" جديدة

 محمدي، الذي يدرّس في جامعة باريس ويعمل باحثًا في معهد IRIS وخبيرًا مشاركًا في مركز CERI، يرى أن ما يحدث ليس أزمة عابرة، وأنه انعكاس لجمود هيكلي عميق.

في هذا الحوار الخاص مع "إرم نيوز"، يضع محمدي النقاط على الحروف بشأن دلالات التعبير الفرنسي "العلاقات مجمدة"، ويشرح كيف يمكن لـ"الدبلوماسية البرلمانية" أن تفتح ثغرات في جدار الصمت الرسمي. 

وتاليا تفاصيل الحوار..

باريس تقول إن العلاقات مع الجزائر "مجمدة تمامًا".. ما دلالة هذا التعبير في السياقين السياسي والدبلوماسي؟

هذا التعبير يعكس في العمق جمودًا هيكليًا أكثر من كونه أزمة عابرة. عندما تصف باريس علاقاتها مع الجزائر بأنها "مجمدة تمامًا"، فإنها تشير إلى توقف شبه كامل في القنوات الرسمية للحوار، سواء على مستوى الرئاسات أم الوزارات السيادية.

سياسيًا، هذا يدل على غياب الإرادة السياسية المشتركة في الوقت الحالي لإعادة تنشيط العلاقة. ودبلوماسيًا، يعني ذلك أن الملفات الثنائية، مثل التعاون الأمني والهجرة والذاكرة التاريخية، عالقة أو في أدنى مستوياتها من المعالجة.

ولكن في المقابل، رأينا وفدًا من 40 نائبًا فرنسيًا وفرنسيًا-جزائريًا يزور الجزائر مؤخرًا لإحياء ذكرى مجازر 8 مايو/ أيار 1945. كيف نفهم هذا التحرك في ظل "الجمود" المعلن؟

هذه زيارة رمزية من الطراز الأول، تحمل رسالة مزدوجة. من جهة، هي مبادرة "ذاكراتية" تهدف إلى الاعتراف بماضٍ استعماري مؤلم لم يُعترف به رسميًا بعد. ومن جهة أخرى، هي أيضًا خطوة سياسية غير حكومية، محاولة من برلمانيين ونشطاء لإعادة فتح الباب أمام العلاقات الثنائية من خارج القنوات التقليدية للسلطة التنفيذية.

ولكن، علينا ألا نبالغ في تقدير أثر هذه الزيارة، فهي لا تمثل موقفًا رسميًا للحكومة الفرنسية، بل هي تعبير عن توجه سياسي داخل الطيف البرلماني الفرنسي، وخاصة من تيارات اليسار وبعض الشخصيات ذات الأصول المغاربية.

هل يمكن أن تؤسس هذه الزيارة لتحول في السياسة الفرنسية تجاه الجزائر، خاصة في ما يتعلق بالاعتراف بالجرائم الاستعمارية؟

لا أعتقد أن ذلك سيحدث في المدى القريب؛ لأن الدولة الفرنسية ما زالت مترددة في اتخاذ خطوة قانونية أو سياسية واضحة تعترف بمجازر مثل 8 مايو كـ"جرائم دولة". ومع ذلك، فإن الضغط المتزايد من داخل المجتمع المدني وبعض البرلمانيين يمكن أن يخلق ديناميكية جديدة، خاصة إذا واكبتها تحولات في الرأي العام الفرنسي بشأن الاستعمار.

إلى أي مدى يمكن لهذه "الدبلوماسية البرلمانية" أن تُعوّض الجمود الرسمي بين الحكومتين؟

هي لا تعوّض الجمود، ولكنها تفتح ثغرات فيه. هؤلاء البرلمانيون يوجّهون رسائل داخلية أيضًا، للقيادة الفرنسية، تقول إن ملف العلاقات مع الجزائر لا يمكن تركه في حالة شلل. كما أن الجانب الجزائري، عبر استقباله للوفد، بعث برسالة ضمنية بأنه منفتح على مبادرات صادقة تخرج عن منطق الهيمنة.

ما دلالة اهتمام البرلمانيين الفرنسيين بمجازر 8 مايو 1945، وليس فقط بمجزرة 17 أكتوبر 1961 التي سبق لهم الدفاع عنها؟

هذه خطوة مهمة جدًا. مجازر 8 مايو 1945 تظل جرحًا عميقًا في الذاكرة الجزائرية، وغالبًا ما تم تجاهلها في الرواية الفرنسية الرسمية. عندما يتحدث نواب مثل دانييل سيمونيه وصابرينا سباييحي عن "جرائم دولة" ويطالبون بالاعتراف بها، فهم يضعون حجر الأساس لمسار اعتذاري طويل. 

إنها محاولة لتجاوز الخطابات السطحية والمصالحة الحقيقية مع ماضٍ استعماري مؤلم.

وهل تعتقد أن فرنسا الرسمية ستصل إلى مرحلة الاعتراف بهذه الجرائم كجرائم دولة؟

حتى الآن، الدولة الفرنسية تفضّل استخدام عبارات فضفاضة مثل "أحداث مؤسفة" أو "أخطاء الماضي". لكن الضغط السياسي والبرلماني يتزايد، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية وعودة النقاش حول ما بعد الاستعمار. 

أخبار ذات علاقة

التلوث الإشعاعي عند موقع تجارب القنبلة النووية

رداً على الضغوط الفرنسية.. الجزائر تعيد طرح قانون تجريم الاستعمار

 إذا استمر هذا الزخم البرلماني والمدني، فقد تجد الحكومة الفرنسية نفسها مضطرة في المستقبل القريب إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا تجاه هذا الماضي.

ما هي شروط عودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها برأيك؟

هناك ثلاث نقاط أساسية: أولاً، احترام متبادل قائم على المساواة السيادية، بعيدًا عن الخطاب الأبوي الذي ما زال يظهر أحيانًا في الساحة الفرنسية. ثانيًا، فتح حوار حقيقي حول الذاكرة التاريخية، ليس فقط عبر المبادرات الرمزية بل في إطار مؤسساتي مستدام. وثالثًا، التعامل بواقعية مع الملفات الاستراتيجية مثل الطاقة، الأمن والهجرة، بعيدًا عن الابتزاز المتبادل أو الحسابات الانتخابية الضيقة.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC