يرى خبراء أن لجوء الحوثيين إلى منع التعامل مع آليات الاستيراد التي استحدثتها الحكومة الشرعية يمثل مأزقًا خانقًا للقطاع الخاص قد يؤدي إلى تعطّل سلاسل الإمداد وحدوث كارثة إنسانية في مناطق سيطرة الميليشيا.
ووفقًا لمذكرة مسرّبة، حظر البنك المركزي في صنعاء، الاثنين الماضي، على البنوك وشركات الصرافة في مناطق سيطرة الحوثيين، تقديم أي طلبات إلى البنك المركزي اليمني المعترف به دوليًّا في عدن، أو إلى أي جهة مالية تابعة للحكومة الشرعية، نيابة عن المستوردين، بهدف الحصول على الموافقة اللازمة للمصارفة وتحويل قيمة السلع التي يُراد استيرادها إلى مناطق الميليشيا.
وتتوعد المذكرة الممهورة بتوقيع محافظ مركزي صنعاء، هاشم المداني، المدرج على قوائم العقوبات الأمريكية، مخالفي هذه التوجيهات بـ"الإجراءات القانونية".
واعتبرت إجراءات الحكومة الشرعية والبنك المركزي اليمني في عدن، لتحديد آلية محددة للاستيراد، عبر لجنة تمويل وتنظيم الواردات، "تصعيدًا اقتصاديًّا، يفرض قيودًا وأعباءً إضافية في إطار الحصار على استيراد السلع"، وفقًا للمذكرة.
ووصف الباحث في الشأن الاقتصادي، وفيق صالح، قرار مركزي صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، بأنه "عدمي وانفعالي".
وأكد أن الميليشيا لن تتمكن من فرض توجهها على التجار أو منعهم من التعامل مع لجنة تنظيم الواردات الحكومية، بسبب افتقارها للبدائل.
وبيّن صالح في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن الخيارات أمام البنوك والمصارف والشركات التجارية، تكاد تكون منعدمة، باستثناء التعامل مع لجنة تنظيم الواردات، باعتبارها "الطريق الآمن والوحيد للوصول إلى الأسواق الخارجية، ولضمان استمرار تدفق الواردات السلعية واستمرار النشاط التجاري".
وأضاف أن تصنيف واشنطن للحوثيين ضمن قوائم الإرهاب، يحول دون تعاملهم مع البنوك الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي يجعل هذا القرار أشبه بمن "يُطلق النار على قدميه".
وقال إن الإصرار على هذه الخطوة التي وصفها بـ"الغبية"، سيقود بالضرورة إلى منع وصول السلع والمواد الغذائية إلى مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، ويفتح الباب على كارثة إنسانية غير مسبوقة.
وبحسب تصريحات سابقة لمحافظ البنك المركزي اليمني، أحمد المعبقي، فإن غالبية البنوك التجارية العاملة في صنعاء، استكملت إجراءات انتقال مقراتها الرئيسية إلى عدن، وتعهّدت بقطع علاقتها مع الحوثيين ومركزي صنعاء، وتم الإبقاء على بعض فروعها في مناطق الميليشيا، بالاتفاق مع وزارة الخزانة الأمريكية، التي اشترطت اعتماد طرف ثالث للتدقيق في التحويلات الواردة إلى هذه الفروع.
ويرى المحلل الاقتصادي، وحيد الفودعي، أن إجراء الحوثيين "ابتزاز رخيص، يضع القطاع الخاص أمام مأزق، إما الرضوخ لشروط صنعاء، وإما مواجهة العقوبات الأمريكية والإغلاق، والضحية في النهاية هو المواطن".
وذكر أن قطع الصلة بين التجار في مناطق الحوثيين ولجنة تنظيم الاستيراد "يعني تعطيل سلاسل الإمداد الرسمية وزيادة الكلفة على المستوردين، وجرّهم إلى قنوات غير شفافة. والنتيجة المباشرة هي ارتفاع الأسعار وتوسع اقتصاد الظل وإضعاف الاقتصاد الرسمي".
واعتبر الفودعي أن اللجنة الوطنية "مشروع سياسي – اقتصادي مدعوم دوليَّا، غايته مزدوجة: تنظيم سوق النقد وتنظيم الاستيراد، وبالتالي فإن كل خطوة تعطيلية من الحوثيين تتحول إلى دليل إضافي أمام المجتمع الدولي على طبيعة سلطتهم القائمة على الابتزاز، وتزيد احتمالات توسع قوائم العقوبات عليهم وعلى أذرعهم المالية".
وفي الوقت الذي ما زال فيه ميناء الحديدة، المنفذ الوحيد لمناطق سيطرة الحوثيين، يعمل بقدراته الأدنى نتيجة الدمار الذي أحدثته الضربات الأمريكية والإسرائيلية، والقيود التي تفرضها واشنطن على وارداته إثر العقوبات، تمنع اللجنة الحكومية لتمويل الواردات "دخول أي سلع أو بضائع عبر المنافذ الجمركية إلا وفق الإجراءات التي اعتمدتها".
وأكد المدير العام للمركز الإعلامي والثقافة المصرفية، بالبنك المركزي اليمني في عدن، أحمد بافقيه، أن مركزي صنعاء، "لا يملك أي قنوات تحويلات نقدية رسمية من وإلى الخارج، وبالتالي سيجنى المواطنون مرارة ذلك".
وقال في تدوينة على منصة "فيسبوك"، إنه بات واضحًا أن الحوثيين سيستخدمون قرارهم الذي يجوّع الناس، كـ"أداة ضغط لتمرير أجندتهم، كي يخرج السكان بمسيرات للجوعى تهتف لفك الحصار، اعتقادًا منهم بأن ذلك سيُكسب حكومتهم (المحاصرة) تعاطفًا خارجيًّا".