عادت الاحتجاجات في مدينة قابس التونسيّة إلى الشوارع؛ بسبب تلوّث ناتج عن مجمع كيماوي حكومي، رغم وعود السلطات بحلّ المشكلة، مستعينة بفريق من الخبراء.
وردّد المئات من المتظاهرين في قابس شعارات مثل "الشعب يريد تفكيك الوحدات" في إشارة إلى وحدات صناعية تتسبب في التلوث، وأيضاً "نريد أن نعيش" وذلك في أحدث تحرك للضغط من أجل إيجاد حلّ للأزمة البيئية التي تعرفها المدينة منذ سنوات.
وجاءت هذه الاحتجاجات بعد أسابيع من تسجيل حالات اختناق وصعوبة في التنفس لدى التلاميذ وسكان بسبب غازات سامة منبعثة من المجمع الكيماوي الذي يُحوّل الفوسفات إلى حمض الفوسفوريك وأسمدة.
وقال المحلل السياسي التونسي، صهيب المزريقي إنّ: "أزمة التلوث في قابس ليست وليدة اليوم بل هي نتيجة اختيارات تنموية تعود إلى بداية السبعينيات، وتحديدًا منذ سنة 1972 مع تركيز المجمع الكيميائي في إطار التوجه الليبرالي الذي انتهجته الدولة آنذاك مع الهادي نويرة".
وأضاف في حديث لـ"إرم نيوز": "كانت هذه الاختيارات قد تمت في زمن لم تكن فيه البيئة ولا صحة المواطن ضمن الأولويات فدُفعت قابس ثمنًا باهظًا لتنمية وطنية لم تُراعِ حق السكان في بيئة سليمة".
وتابع المزريقي أن: "الاحتجاجات الجارية يمكن قراءتها في تقديري كرسالة اجتماعية وسياسية تستوجب الاستماع والتفاعل المسؤول، لا كعامل توتير".
وأشار إلى أن "التحدي اليوم يتمثّل في تحويل هذا الضغط الاجتماعي إلى فرصة لإطلاق مسار إصلاحي متدرّج ومتوازن يوفّق بين حماية البيئة، واستمرارية المرفق الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي، ضمن مقاربة تشاركية هادئة تعزز الثقة وتخدم المصلحة الوطنية العليا".
وشدد على أنّ: "ما نشهده اليوم من عودة للاحتجاجات هو تعبير عن غضب متراكم عبر عقود من التلوث والإهمال والحلول الظرفية التي لم تعالج أصل المشكلة''.
وختم المزريقي حديثه بالقول: "في تقديري، هذه الاحتجاجات مشروعة بالكامل خاصة وأن أهلها أظهروا وعيا وطنيا متقدما بعيدا عن التوظيفات السياسية التي تاجرت بهمومهم وآلامهم بل اعتبرت قضيتهم أداة متاجرة لملء جيوبهم عبر صفقات فساد مشبوهة فكانت شعاراتهم مدنية سلمية؛ لأنها لا تطالب بأكثر من الحق في الحياة والكرامة والبيئة النظيفة".
وكان الرئيس قيس سعيّد قد قال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن ما يحدث في قابس يُشكل "اغتيالا بيئيا للمدينة"، داعياً إلى صيانة مستعجلة لمنع التسربات.
واعتبر المحلل السياسي التونسي محمد صالح العبيدي، أنّ: "الاحتجاجات التي تعرفها مدينة قابس وهي حاشدة بشكل غير مسبوق تُعد مشروعة حيث يدافع الأهالي عن حقهم في العيش".
وأضاف العبيدي في حديث لـ"إرم نيوز" أنّ: "على السلطات إيجاد حلول مستعجلة لأهالينا في قابس خاصة أن الأزمة البيئية تطاول تلاميذ وكبار سنّ ما يهدد بأزمات صحية أيضاً قد لا تقدر المستشفيات على استيعابها لذلك ما يحدث يشكل جرس إنذار حقيقي".