يرى خبراء أن "آلية توزيع المساعدات في قطاع غزة التي تعكف الولايات المتحدة وإسرائيل على الترويج لها، تمثل وسيلة ابتزاز من قبل واشنطن وتل أبيب للفلسطينيين، وتعفي إسرائيل من أي مسؤولية عن الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة.
وتزداد الأوضاع في قطاع غزة صعوبة من الناحية الإنسانية والصحية، في ظل استمرار إسرائيل بإغلاق المعابر منذ مارس/ آذار الماضي، ورفضها السماح بدخول المساعدات للسكان، الأمر الذي قوبل بانتقادات إقليمية ودولية حادة.
الآلية الجديدة
ووفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فإن المبادرة الأمريكية الجديدة لإعادة توزيع المساعدات الإنسانية على الفلسطينيين في غزة تقوم على مرحلتين، الأولى تستهدف 1.2 مليون من السكان فقط، في حين تشمل الثانية مليون فلسطيني، المتبقين من سكان القطاع.
وأوضحت الصحيفة، أن "موعد المرحلة الثانية لم يحدد، وأن المبادرة التي قدمها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف للأمم المتحدة، وتحمل اسم مؤسسة غزة الإنسانية "GHF"، تقوم على إقامة 4 مراكز توزيع، يختص كل مركز بـ300 ألف شخص، دون تدخل مباشر من الجيش الإسرائيلي.
وترفض الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها التعاون مع هذه المبادرة التي تهدف إلى إعادة المساعدات الإنسانية للقطاع من خلال بنية تحتية لوجستية شفافة ومستقلة ومحايدة، وتجاوز العقبات التي أضرت بثقة المانحين وكفاءة التحويلات خلال السنوات الأخيرة.
وأشارت الصحيفة، إلى أن المناقشات المغلقة حول المبادرة بالأمم المتحدة شهدت هجوماً كبيراً على إسرائيل من العديد من السفراء، الذين اتهموا تل أبيب بتجويع سكان غزة، مضيفًة، أن "ويتكوف أكد أن الهدف هو عدم وصول المساعدات الإنسانية لحركة حماس".
وبينت الصحيفة، أن تكلفة الوجبة الواحدة التي تحتوي على 1750 سعرة حرارية، تُقدر بـ1.31 دولار فقط، وهو المبلغ الذي يشمل جميع تكاليف النقل والأمن والتوزيع، وأن المؤسسة المعنية تخطط لتوفير صناديق غذائية للأسر الفلسطينية بتكلفة 65 دولارًا للصندوق الواحد، تتضمن 50 وجبة كاملة في صندوق عائلي، يتم توصيلها مباشرة للسكان المعرضين للخطر.
عناوين أمريكية
ويرى الخبير في الشأن السياسي، طلال عوكل، أن "الآلية الجديدة تتبنى في المضمون الآلية الإسرائيلية وأهدافها؛ لكن بعناوين أمريكية"، مشيرًا إلى أن ذلك يُعفي إسرائيل من الانتقادات الدولية الموجهة لها بشأن الوضع الإنساني بغزة.
وقال عوكل، لـ"إرم نيوز"، إن "الولايات المتحدة على الرغم من وضعها لتلك الآلية؛ إلا أنها تفتقد للثقة في إسرائيل بشأن ملف المساعدات الإنسانية لسكان غزة"، لافتًا إلى أن هناك توجها لدور أمريكي مباشر في هذا الملف.
وأوضح أن "الدور الأمريكي سيكون عبر شركات أمنية تستبعد المؤسسات الدولية، في حين يبقى مشاركة تلك المؤسسات مرهونا بقبول دول المنطقة للخطة الأمريكية التي من المرجح أن يطرحها الرئيس دونالد ترامب خلال زيارته للمنطقة".
ورجح، أن "الإدارة الأمريكية لا ترغب في أن تكون متورطة بشكل مباشر في ملفات قطاع غزة، أو تعرض حياة جنودها وسمعتها للخطر، ما يدفعها للقبول بخيار الشركات الأمنية الخاصة، وهو ذات الأمر الذي طبّق على محور نتساريم بعد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار".
آلية مريبة
ويرى الخبير في الشأن السياسي، عصمت منصور، أن "غياب دور المؤسسات الدولية يثير ريبة في ظل عدم الثقة بالولايات المتحدة وإسرائيل"، مبينًا أن الآلية الجديدة تقوم على أساس توزيع المساعدات بعيدًا عن أي إطار دولي أو محلي.
وقال منصور، لـ"إرم نيوز"، إن "ذلك يجعل تلك المساعدات الإنسانية مادة للابتزاز والضغط على الفلسطينيين والتنكيل بهم"، لافتًا إلى أن المساعدات تصبح مهددة بالتوقف ولا يمكن ضمان استقرار تدفقها للسكان.
وأوضح أن "المساعدات وفق الآلية الأمريكية لن تكون كافية، وستُعطي غطاءً لإسرائيل على اعتبار أنها أوجدت حلًا للأزمة الإنسانية في غزة، ما سيمحنها حرية العمل العسكري في مناطق واسعة من قطاع غزة، وفق تقديره.
جهد تجميلي
ويرى منصور، أن "التوزيع سيكون فرديا من خلال مراكز مساعدات موجودة في مناطق عازلة تسيطر عليها إسرائيل، ما يدفع السكان للخروج من بعض المناطق إلى مناطق أخرى، وهو الأمر الذي يخدم أهداف الجيش الإسرائيلي".
وأردف، أن "ذلك يعطي قوة للاحتلال الإسرائيلي ويعزل الناس عن المناطق الحاضنة للفصائل المسلحة"، مشددًا على أن ذلك لن يؤدي إلى حل مشكلة المجاعة والأزمة الإنسانية في غزة، وهو مجرد جهد تجميلي وليس حقيقيا.