كشف مصدر حكومي عراقي أن الاتصال الهاتفي الأخير الذي جرى، بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فتح ملف الوجود العسكري التركي داخل الأراضي العراقية.
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، لـ"إرم نيوز" أن "السوداني ناقش مع أردوغان ضرورة الانتقال إلى ترتيبات أمنية جديدة تتناسب مع واقع ما بعد حزب العمال الكردستاني، بما في ذلك مراجعة وضع القواعد العسكرية التركية التي أنشئت على مدى العقود الماضية بذريعة ملاحقة عناصر الحزب".
وأشار إلى أن "الرئيس التركي أبدى انفتاحاً أولياً تجاه هذا الطرح، وربطه بمدى التزام الحزب فعلياً باستكمال قرار إلقاء السلاح".
وأوضح أنه "طرح خيار التفاوض بشأن القادة المطلوبين من حزب العمال، مع دراسة احتمالات مغادرتهم إلى بلد ثالث، أو توفير ممرات آمنة تحت إشراف دولي في حال الاتفاق على ذلك".
وشكلت المراسم الرمزية لحرق الأسلحة في أحد كهوف جبال دوكان بالسليمانية، والتي شارك فيها عشرات من عناصر الحزب، نقطة تحول لافتة، ليس فقط في علاقة "العمال الكردستاني" مع الدولة التركية، بل أيضاً في خريطة الترتيبات الأمنية داخل العراق، خصوصاً في الشريط الحدودي الممتد من زاخو إلى العمادية وجبال قنديل.
وكانت تركيا قد بدأت التوغل داخل الأراضي العراقية في تسعينيات القرن الماضي، بموجب اتفاق أمني أبرم مع حكومة بغداد آنذاك، يتيح للطرفين ملاحقة الجماعات المعارضة عبر الحدود، إلا أن سقوط النظام السابق عام 2003 لم يُنه العمل بهذا الاتفاق، بل تحول إلى أداة بيد أنقرة لتوسيع وجودها العسكري في شمال العراق.
وبمرور السنوات، تحول ذلك الوجود إلى قواعد ثابتة، بعضها لا يبعد سوى كيلومترات قليلة عن المراكز السكانية، فيما أنشأت تركيا شبكة متقدمة من الطرق والمعسكرات ونقاط الرصد ضمن المناطق الجبلية التابعة لمحافظات دهوك وأربيل ونينوى، بذريعة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني.
لكن بعد عام 2014، ومع دخول تنظيم "داعش" ووقوع مأساة الإيزيديين، حدث تحول إضافي، حيث شاركت بعض فصائل الحشد مع وحدات "العمال الكردستاني" في قتال التنظيم، خصوصاً في مناطق مثل سنجار وسهل نينوى، وهو ما أضفى طبقة جديدة من الصراعات على المشهد، وجعل أي محاولات لتسوية ملف الحزب محفوفة بتحالفات محلية وسياسية حساسة.
وقال الباحث في الشأن السياسي نبيل العزاوي إن "العراق بات أكثر قدرة على فرض رؤيته، في ظل تحسن موقعه الإقليمي وتوازن علاقاته مع دول الجوار، خصوصاً أنه يملك أوراقاً قوية للتفاوض، أبرزها مشروع طريق التنمية، وملف المياه، ومناخ الاستثمار الذي تطمح إليه تركيا".
وأوضح العزاوي لـ"إرم نيوز" أن "الاتصال حمل مضامين تتعلق بإعادة ترتيب العلاقة الأمنية بين الجانبين، وربما دفع أنقرة لإصدار تشريعات تستوعب عناصر الحزب في الداخل التركي، بل حتى التفكير بخطوة رمزية مثل الإفراج عن عبد الله أوجلان، إذا ما استمرت التهدئة، وهو ما تطالب به قيادة الحزب كجزء من تسوية شاملة".
وكان بيان رئاسة الوزراء العراقية قد وصف خطوة نزع السلاح بأنها "فرصة تاريخية لإنهاء الصراع، وترسيخ الاستقرار، وفتح صفحة جديدة من التعاون الإقليمي"، في حين عبّر أردوغان، في الاتصال ذاته، عن عزم بلاده المضي في "تحقيق تركيا خالية من الإرهاب".
ويرى مختصون أن حكومة السوداني، تسعى للعب دور الوسيط في هذا التحول الإقليمي، عبر إنهاء الملف الأمني الذي سيفتح الباب أمام تحولات اقتصادية واعدة، خصوصاً في ظل التداخل بين المشروع التركي المعروف باسم "الممر الأوسط"، وبين مشروع "طريق التنمية" العراقي.
لكنّ مراقبين يرون أن طريق التسوية ما زال طويلاً، خصوصاً مع وجود فصائل مقاتلة محلية ترتبط بعلاقات وثيقة مع عناصر الحزب، وهو ما يجعل أي انسحاب تركي مرهوناً بضمانات أمنية فعلية، لا مجرد تعهدات من القادة السياسيين.