اتجه سباق القوائم الانتخابية في العراق نحو استقطاب النواب الحاليين، الذين يوصفون بـ"المرشحين السوبر" لامتلاكهم أصواتًا شبه مضمونة ونفوذًا محليًّا واسعًا.
ويُقصد بالمرشح "السوبر" النائب الذي يحظى بشعبية راسخة في دائرته الانتخابية، ويملك ماكينة انتخابية فاعلة؛ ما يجعله قادرًا على الفوز حتى دون دعم حزبي كبير.
وهذه الفئة باتت هدفًا رئيسًا للكتل التي تدرك أن استقطاب نائب واحد من هذا النوع قد يعني إضافة عشرات آلاف الأصوات إلى رصيدها الانتخابي.
وتشير المعطيات الحالية إلى أن المشهد تحوّل إلى سباق على "الأصوات الجاهزة"، إذ تمكّن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من ضم نحو 54 نائبًا إلى كتلته، فيما استقطب قائد "كتائب الإمام علي" شبل الزيدي قرابة 12 نائبًا حتى الآن، وهو ما يكشف شدة التنافس على المقاعد المضمونة وتأثيرها في موازين البرلمان المقبل.
بدوره، قال الباحث والأكاديمي خالد العرداوي إن "انضمام النواب الحاليين إلى كتل سياسية متعددة بعد انسلاخهم من كتلهم الأصلية أو من استقلاليتهم السياسية المزعومة، لا يعد مؤشرًا على قوة الكتل التي انضموا إليها، بقدر ما يدل على هشاشة البناء الحزبي ورمادية الولاءات السياسية".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "التركيز على كسب هؤلاء النواب يهدف للاستفادة من أصوات ناخبيهم ونفوذهم في دوائرهم، لكنه قد يكون سلاحًا ذا حدين إذا رأى الناخب أن تكرار الوجوه ذاتها يعني تكرار السياسات ذاتها التي يتهمها بالفشل".
وهذا النمط من الاستقطاب ليس بجديدٍ على الحياة السياسية العراقية، ففي انتخابات 2018، شهدت الساحة انتقال عدد من النواب بين القوائم بعد فوزهم؛ ما أثار جدلًا حول "بيع المقاعد" أو "تأجير القاعدة الجماهيرية".
وفي انتخابات 2021، برزت تحالفات مفاجِئة ضمّت وجوهًا من كتل متنافسة، وهو ما ساعد بعض القوائم الصغيرة على حصد مقاعد إضافية لكنها عانت لاحقًا من الانشقاقات.
ويصف مراقبون دوافع الحراك الحالي بأنها جزء من إستراتيجية مبكرة لتأمين موقف تفاوضي قوي لما بعد الانتخابات، حيث تسعى الكتل إلى تكبير حجمها العددي في البرلمان المقبل، بما يضمن لها حصة وازنة في المساومات الحكومية وتوزيع المناصب.
وفي كثير من الأحيان، لا يكون الانسجام البرامجي بين النائب والقائمة أولوية، بقدر ما تكون الأولوية للأصوات التي يستطيع النائب جلبها.
ويرى محللون أن هذه الموجة من الاستقطاب قد تؤدي إلى برلمان يصعب ضبطه حزبيًّا، إذ ستغلب عليه الولاءات الشخصية على حساب الانتماءات الأيديولوجية؛ ما قد يعرقل تشكيل حكومة متجانسة ويزيد احتمالات الانشقاقات والصفقات الطارئة بعد الاقتراع.
من جانبها، قالت أستاذة العلاقات الدولية في جامعة بغداد بسمة الأوقاتي، إن "الاستقطاب الراهن جزء من إعادة تشكيل التحالفات السياسية قبل الاستحقاق الانتخابي، بهدف تعزيز الموقف التفاوضي داخل البرلمان المقبل عبر زيادة عدد المقاعد المضمونة".
وأوضحت لـ"إرم نيوز" أن النائب يقف بين خيارين؛ الأول حرية مطلقة بعيدًا عن إرادة الكتلة، وهو ما يجعله أقرب للتواصل مع الجمهور لكنه عرضة للاستقطاب، والثاني الالتزام بخط الكتلة بما يقلل فرص انتقاله إلى معسكرات سياسية أخرى".
ولا تقتصر الظاهرة على القوى الشيعية وحدها، إذ تمتد إلى الكتل السنية والكردية التي دخلت بدورها في سباق محموم لضم النواب المضمونين انتخابيًّا.
ويحذر مختصون من أن استمرار هذه الأساليب قد يؤدي إلى تآكل الثقة الشعبية بالعملية الانتخابية، إذا شعر المواطن أن صناديق الاقتراع تعيد إنتاج الوجوه ذاتها والسياسات ذاتها أيضًا.
ومن المقرر أن يجري العراق انتخابات نيابية جديدة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهي السادسة منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، في استحقاق يُتوقع أن يشهد منافسة محتدمة على ضوء إعادة رسم الخريطة السياسية وبروز تحالفات وانتقالات غير مسبوقة بين الكتل.