عاد ملف حزب البعث إلى واجهة السباق الانتخابي في العراق على وقع ترقب صدور قوائم استبعاد قد تطال شخصيات بارزة.
ومن المقرر أن تُصدر مفوضية الانتخابات العراقية، قائمة بأسماء شخصيات مستبعدة من الترشح للانتخابات البرلمانية المقررة في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، جراء شمولها بقانون المساءلة والعدالة، فضلاً عن وجود أحكام قضائية أو مخالفات للشروط الدستورية والقانونية الخاصة بالترشح.
وتشير الترجيحات إلى أن القائمة قد تضم عشرات الأسماء، بعضها لشخصيات سياسية وأمنية معروفة، ما قد يعيد رسم خريطة التنافس في بعض الدوائر.
واستبق رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، صدور القوائم بالتأكيد على أن الدستور العراقي "يحظر حزب البعث، ومنع رموزه من العودة إلى الحياة السياسية تحت أي مسمّى أو عنوان"، معتبراً أن الانتماء للحزب "جريمة لا تسقط بالتقادم".
وأوضح المالكي، في بيان أن هذا التوجه جاء استجابة "لمرحلة مظلمة من تاريخ العراق، عاش فيها الشعب سنوات من القمع والتمييز على يد نظام استبدادي استند إلى فكر عنصري، وإرهابي، وطائفي" وفق تعبيره.
وأكد أن "الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة أنشئت لتكون الجهة المختصة بكشف البعثيين، وجمع الأدلة التي تثبت انتماءهم، ومنعهم من المشاركة في العملية السياسية".
وتأسست هيئة المساءلة والعدالة – التي كانت تُعرف، سابقاً، بهيئة اجتثاث البعث – بعد العام 2003، بهدف منع قيادات الحزب وأعضائه الفاعلين من تولّي المناصب العليا أو العودة للمشهد السياسي.
ومع كل دورة انتخابية، تعود الخلافات حول آلية عملها، حيث تتهمها بعض القوى، لا سيما في الأوساط السنية، بـ"المحاباة والانتقائية" في تطبيق القانون، بينما ترى قوى أخرى أنها "صمام أمان" يمنع عودة النظام السابق بأشكال جديدة.
وبحسب لوائح العمل، فإن الهيئة تُدقّق في ملفات جميع المرشحين، بالتنسيق مع وزارتي الداخلية، والدفاع، وهيئة النزاهة، للتحقق من خلو سجلاتهم من أي انتماء سابق للحزب المحظور، أو شغلهم لمناصب عسكرية وأمنية رفيعة دون الالتزام بفترات الاستقالة المنصوص عليها قانوناً.
كما يشمل التدقيق مراجعة السجلات الجنائية، وأي أحكام أو قضايا معلقة قد تمنع المرشح من الترشح.
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي علي ناصر إن "هناك مخاوف كثيرة من عودة حزب البعث إلى العملية السياسية عبر بعض المرشحين، ربما ممن تنطبق عليهم إجراءات المساءلة والعدالة أو ممن يرتبطون بعائلات قيادية في الحزب سابقاً".
وأضاف ناصر لـ"إرم نيوز" أن "بعض الأحزاب والكتل قد تستغل هذا الملف لأهداف انتخابية، في محاولة لإقصاء أسماء قوية في دوائرها، ما يفتح الباب أمامها لتحقيق نتائج أكبر".
وأشار إلى أن "الملف شائك ومعقّد، ومن المتوقع أن تتصاعد حدته خلال الفترة المقبلة بسبب شدة التنافس الانتخابي"
وبين أن "هيئة المساءلة والعدالة تمتلك أوراقاً ثبوتية، وملفات قانونية، تتيح لها منع أي مرشح يثبت انتماؤه السابق إلى حزب البعث من العودة إلى العملية السياسية".
وفي مقابل ذلك، تؤكد مفوضية الانتخابات أن إجراءات الاستبعاد ليست سياسية، وإنما تنفذ وفق نصوص قانونية معمول بها منذ أول انتخابات بعد 2003.
وتشير المتحدثة باسم المفوضية، جمانة الغلاي، في تصريحات صحفية، إلى أن المفوضية تتعامل مع نوعين من القرارات؛ الأول هو "الاستبدال"، ويشمل المرشحين الذين لا تستوفي قوائمهم شروط التمثيل النسائي أو المؤهلات العلمية المطلوبة، والثاني هو "الاستبعاد"، ويشمل من لم يقدّموا وثائقهم كاملة أو ممن شملتهم القوانين المانعة من الترشح، وفي مقدمتها المساءلة والعدالة.
وعلى مدار السنوات الماضية، تحول ملف حزب البعث إلى أداة جدلية في المشهد الانتخابي، إذ تتهم قوى سياسية ومرشحون سابقون خصومهم باستخدامه لإقصاء منافسين بارزين أو التأثير على نتائج دوائر انتخابية حساسة.
من جهته، قال عضو تحالف "عزم" عمر عبداللطيف، إن "قرارات المساءلة والعدالة، رغم طابعها القانوني، كثيراً ما صدرت في مواقيت متزامنة مع ذروة الحملات الانتخابية، ما يثير الشكوك حول الدوافع الحقيقية وراءها".
وأوضح لـ"إرم نيوز"، أن "استمرار هذا النهج يفتح الباب أمام الطعن بشرعية الانتخابات، ويعطي انطباعاً بأن العملية السياسية ما زالت تخضع للتجاذبات، بدلاً من أن تكون محكومة بقواعد ثابتة توفر بيئة تنافسية عادلة للجميع".
ويحذّر خبراء من أن قرارات الاستبعاد، إذا طالت شخصيات وازنة في بعض الدوائر، قد تعيد ترتيب التحالفات، وتدفع إلى فرز جديد للقوى السياسية، وربما تزيد من الاستقطاب الطائفي والمناطقي، وذلك لجهة التوقيت الحساس ما سيجعلها جزءاً من أدوات الضغط والتفاوض بين الكتل، وليس مجرد إجراء قانوني طبيعي.
ومع بقاء نحو 3 أشهر على الانتخابات، يبدو أن ملف المساءلة والعدالة سيكون إحدى أكثر القضايا إثارة للجدل، في ظل انقسام المواقف بين من يعتبره ضرورة لحماية النظام الديمقراطي، ومن يراه أداة سياسية لإقصاء الخصوم.