تسعى المبعوثة الأممية في ليبيا، هنا تيتيه، إلى تثبيت وقف إطلاق النار، وذلك بعد اشتباكات متقطعة عرفتها منطقة غرب البلاد، في خطوة تثير تساؤلات جدية حول فرص نجاحها في ضمان ذلك، خاصة في خضمّ المشاورات التي تقوم بها.
وعرفت مدينة الزاوية قبل أيام قليلة اشتباكات مسلحة حول مصفاتها، ما أثار مخاوف من انهيار وقف إطلاق النار الذي تعرفه البلاد منذ سنوات، لاسيما بعد أن كانت العاصمة طرابلس "قريبة" من جولة جديدة من القتال بين قوات حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وقوات جهاز الردع.
وعلق المحلل السياسي الليبي، حسام الفنيش بأن هناك جهودا تبذلها مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، هانا تيتيه، تأتي في لحظة دقيقة يشهد فيها الغرب الليبي نذر تصعيد واشتباكات متفرقة في مدن مثل الزاوية والزنتان.
وتابع الفنيش في تصريح لـ"إرم نيوز" أن "فرص تثبيت وقف إطلاق النار قائمة، خصوصاً في ظل الاهتمام الأمريكي المتزايد بالملف الليبي، وأيضاً بعد التدخل التركي الأخير الذي فرض إيقاف الحرب داخل طرابلس وساهم في عقد اتفاق بين الطرفين المتصارعين".

وبين أن "تلاقي الدورين الأمريكي والتركي يمكن أن يشكل رافعة قوية لجهود المبعوثة الأممية هانا تيتيه، وخاصة مع إدراج الترتيبات الأمنية ضمن خارطة الطريق، ووجود توجه أمريكي واضح نحو توحيد القوى العسكرية والأمنية بين الشرق والغرب، وتقديم الدعم الفني والتدريب اللازم لذلك، وتهيئة الأرضية الأمنية والعسكرية المشتركة لمكافحة الإرهاب وحماية الحدود، والعمل على إزالة العوائق أمام إجراء الانتخابات الوطنية وعدم عرقلتها، والقبول بنتائجها".
وشدد الفنيش على أنّ "التحدي الأكبر يظل ماثلاً في غياب الثقة بين الفرقاء، وتشابك المصالح الإقليمية والدولية مع تعقيدات الصراع الداخلي، إضافة إلى هشاشة الترتيبات الأمنية وغياب آليات فعالة للمراقبة والتنفيذ؛ ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود قد يفتح الباب أمام مسار سياسي أكثر استقراراً إذا ما اقترن بضمانات دولية وإرادة وطنية جادة".
ومن جانبه، قال المحلل السياسي خالد محمد الحجازي إن "نجاح المبعوثة الأممية هنا تيتيه في تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا ممكن، لكنه ليس مضمونًا، لأن المشهد الليبي معقّد ويجمع بين تنافس داخلي عسكري–سياسي، وضغوط وتدخلات إقليمية ودولية".
وأضاف الحجازي في تصريح لـ"إرم نيوز": "فرص نجاحها متوقفة على وجود رغبة دولية، خاصة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا، حيث يجب على هؤلاء العمل لمنع انزلاق ليبيا إلى حرب جديدة، نظرًا لقربها من المتوسط وأثرها على الهجرة والطاقة".
وتابع: "هناك معطى محلي مهم، وهو أن كثيراً من المدن والقبائل لم تعد راغبة في مواجهة عسكرية جديدة بعد سنوات من الصراع، وهذا قد يخلق بيئة مساعدة لتهدئة نسبية".
وبين أن "الأمم المتحدة يمكن أن تستفيد من تجارب سابقة للنجاح في إنهاء الحروب في ليبيا، مثل وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في جنيف 2020 واستمر لسنوات نسبياً، ما يعني أن آلية تثبيت الهدنة ممكنة إذا كان هناك التزام حقيقي".
لكن البعثة الأممية قد تواجه عقبات، بحسب الحجازي، ومن بينها "الانقسام الداخلي، حيث لا تزال ليبيا منقسمة بين حكومتين إضافة إلى غياب الثقة، فكل طرف يشكك في التزام الآخر، وهذا يفتح الباب لاشتباكات متكررة عند أي احتكاك".
وأكد الحجازي أن من بين تلك العقبات "التدخلات الخارجية، مما يصعّب الوصول إلى اتفاق محايد ومستدام، ووجود ملفات اقتصادية حساسة مثل السيطرة على النفط وتوزيع العوائد، وهذه القضايا مرتبطة مباشرة بشرعية أي اتفاق، إضافة إلى قوة الميليشيات المحلية؛ فبعض المدن لديها جماعات مسلحة ذات مصالح محلية (تهريب، نفوذ سياسي، موارد)، ما يجعل وقف النار هشًا إذا لم يتم القضاء عليها".