تحولت الحرائق التي أتت على مساحات شاسعة في اللاذقية السورية إلى ساحة صراع بين القوى السياسية في البلاد التي تمر بفترة انتقال سياسي هش.
ويرى خبراء أن الحرائق المتزامنة التي التهمت آلاف الهكتارات في غابات ريف اللاذقية السورية تثير تساؤلات حول دوافعها الحقيقية، خاصة مع صعوبة تفسير انتشارها السريع في مناطق متباعدة بعوامل طبيعية بحتة.
وتشير تقارير ميدانية إلى تورّط أطراف متعددة، بينها جماعات مسلّحة مثل "سرايا أنصار السنة" التي تبنّت مسؤولية إشعال بعض الحرائق، في حين تُلقى اتهامات متبادلة بين المعارضة وأنصار النظام.
ويؤكد خبراء بيئة أن الظروف المناخية الحالية لا تبرّر اشتعال الحرائق بهذه الكثافة، ما يعزّز فرضية التدخل البشري، سواء عبر التخريب المتعمّد أو الإهمال، وسط تقصير السلطات في التعامل مع الأزمة، بسبب غياب التجهيزات الكافية وإقصاء الكوادر الفنية؛ ما عمّق الأزمة وزاد من حجم الخسائر.
ويقول الكاتب والباحث السياسي عبدالله سليمان إن هناك عدّة روايات حول الحرائق التي اندلعت في ريف اللاذقية ولا يمكن تأكيد أيٍّ منها.
وأضاف سليمان: "الموضوع يحتاج إلى تحقيقات واسعة، ولكن حدوث حرائق متزامنة وفي مناطق متباعدة نسبيًّا، من الصعب القول إنه محض صدفة أو بفعل عوامل طبيعية، خصوصًا أن بعض هذه الحرائق انتشر وامتد خلال وقت قصير".
وأردف لـ "إرم نيوز" أنه رغم وجود عوامل طبيعية، لا يمكن إغفال أن تكون الحرائق مفتعلة، وحتى في عهد النظام السابق تم القبض على عدة أشخاص وتمّت محاكمتهم بجرم إشعال الحرائق، وهذا السيناريو كان موجودًا ومن المحتمل أن يتكرّر.
ويؤكّد أن هذا الأمر في المشهد السوري يتعرّض لكثير من السجال والاتهامات المتبادلة، وأصبح منصّة لإظهار الولاء أو المعارضة للسلطة المؤقتة، وكل فريق يُلقي بالتهم على الفريق الآخر؛ بين من يرى أن فلول النظام يقفون خلف ذلك، ومن رأى أشخاصًا يقومون بإشعال الحرائق عمدًا.
ويوضح أن مسألة تبنّي المسؤولية حول هذا الأمر، أول من تبنّى ذلك هي سرايا أنصار السنة، وكان بيانها دقيقًا، إذ حدّد أنها أشعلت حريق "قسطل معاف"، الذي كان من أضخم حرائق ريف اللاذقية، حيث انتشر وتوسّع، وهُجّر بسببه سكان عدّة قرى.
ويشير إلى أن تبنّي "أنصار السنة" للحرائق صحيح، خاصةً أن البيان نُشر على حساباتها الرسمية على منصاتها، وفي الوقت ذاته خرج بيان آخر يفيد بأن "درع الساحل" هو المسؤول عن هذه الحرائق، لكن وبالتدقيق، تبيّن أن عمر الصفحة التي نشرت البيان لا يتجاوز بضع ساعات؛ ما يُسقط هذه الفرضية.
وفي السياق، ووفق خبراء هندسة الغابات والبيئة، كتب الدكتور المهندس سامر عثمان على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك:
"تشير البيانات الأولية المتعلقة بالحريق الذي اندلع مؤخرًا في منطقة قسطل معاف الواقعة في ريف اللاذقية الشمالي إلى وجود دلائل قوية تُضعف فرضية أن الحريق ناجم عن أسباب طبيعية بحتة، وتدفع باتجاه احتمال تورّط عوامل بشرية، خصوصًا في مرحلة الاشتعال الأولى".
ويضيف: "في ضوء المعطيات المناخية الراهنة، لا يمكن تصنيف الظروف الحالية ضمن فئة الخطر الحرج، سواء من حيث درجة الحرارة أو الرطوبة النسبية أو مدة الجفاف، ولذلك، فإن اشتعال الحريق بهذه الشدة وفي هذا التوقيت، بعيدًا عن الذروة الحرارية المعتادة، لا يمكن تفسيره إلا بوجود تدخل بشري مباشر أو غير مباشر".
ويذكر في منشوره أيضًا أن "تفاقم الأزمة ارتبط بشكل واضح بضعف منظومة التدخل والاستجابة السريعة، حيث لوحظ غياب شبه تام للمروحيات المخصصة للإطفاء الجوي، إلى جانب النقص الكبير في التجهيزات الفنية المتخصصة، وغياب التنسيق التشغيلي السريع".
وجدير بالذكر أن جزءًا كبيرًا من هذا القصور يُعزى إلى استبعاد عدد كبير من الكوادر ذات الكفاءة والخبرة العلمية المتخصصة في مكافحة حرائق الغابات خلال الأشهر الماضية، لأسباب لا تتعلق بالكفاءة المهنية؛ ما أدى إلى فراغ مؤسسي في إدارة هذا النوع من الكوارث، وفق رأي الخبير.