دخل مجلس النواب العراقي دورته الـ6 مثقلاً بإرث تشريعي معقد، يتقدمه ملف الميليشيات المسلحة، إلى جانب حزمة قوانين مؤجلة وأزمات مالية متراكمة، ما يضع المؤسسة التشريعية أمام اختبار مبكر.
والجلسة الأولى، التي أسفرت عن انتخاب هيبت الحلبوسي رئيساً للمجلس، وعدنان فيحان نائباً أول، أشّرت إلى قدر من التفاهمات السياسية المسبقة، لكنها لم تخف حجم الخلافات التي سرعان ما ظهرت مع تعثر حسم منصب النائب الثاني، قبل الاستقرار أخيراً على القيادي في الحزب الديمقراطي فرهاد الأتروشي.
ويجمع مراقبون على أن ملف الميليشيات المسلحة سيكون العنوان الأبرز على طاولة البرلمان خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد إعلان مجموعات عدة موافقتها على نزع سلاحها، ما يعني الحاجة إلى قوانين تؤطر هذه العملية.
ويرى الخبير القانوني عمار الشمري أن "تشريع أي قانون يتعلق بحصر الفصائل المسلحة أو إعادة تنظيمها لا يعد مسألة إجرائية بسيطة، بل مهمة قانونية وسياسية شديدة التعقيد، تمس توازنات قائمة منذ سنوات".
وأضاف الشمري لـ"إرم نيوز" أن "البرلمان، إذا ما قرر الخوض في هذا الملف، سيكون مطالباً بصياغة نصوص دقيقة تمنع التأويل، وتحدد بشكل واضح تبعية السلاح، وآليات الدمج أو التفكيك، وصلاحيات الجهات المنفذة، مع ضمان عدم تعارضها مع الدستور أو القوانين النافذة".
وأشار إلى أن "هذا النوع من التشريعات قد يشعل خلافات داخل المجلس، خصوصاً مع وجود كتل سياسية لها ارتباطات مباشرة أو غير مباشرة بهذا الملف، ما يجعل تمرير أي قانون أمراً معقداً ويتطلب توافقات عابرة للتحالفات التقليدية".
وإلى جانب ملف الميليشيات، يواجه البرلمان الجديد تحديات لا تقل أهمية، تتعلق بقوانين مؤجلة منذ دورات سابقة، مثل قانون المجلس الاتحادي، وقانون النفط والغاز، وقانون المحكمة الاتحادية، فضلاً عن تشريعات اقتصادية أساسية، ظلت رهينة الخلافات، ما أضعف ثقة الشارع بالمؤسسة التشريعية، وكرس صورة البرلمان العاجز عن حسم استحقاقاته الدستورية.
ويبرز الملف الاقتصادي بشكل أساس هذه الدورة، بسبب التحذيرات المتواصلة من أزمة مالية وشيكة، إثر الاعتماد المفرط على النفط، وتضخم النفقات التشغيلية للدولة العراقية، إذ تحذر تقديرات من أن أي تعثر في تشريع القوانين الإصلاحية، أو أي تصعيد سياسي داخلي، سينعكس مباشرة على الاستقرار المالي والموازنة العامة، في وقت تعاني فيه الدولة من ضغوط متزايدة.
بدورها، قالت النائبة السابقة في البرلمان العراقي ريزان شيخ دلير إن "الوضع العراقي اليوم لا يمكن فصله عن تعقيدات المشهد الدولي، ولا سيما طبيعة العلاقة المرتبكة بين التحالف الدولي والدولة العراقية، في ظل وجود فصائل مسلحة ما زالت تمارس دوراً خارج الإطار الرسمي، الأمر الذي يضعف قدرة الدولة على بناء صورة مستقرة أمام المجتمع الدولي".
وأضافت لـ"إرم نيوز" أن "الشعب العراقي يتطلع خلال السنوات الأربع المقبلة إلى مرحلة مختلفة عنوانها الأمن والاستقرار والازدهار، وهو يطمح إلى دولة تمتلك رئاسة جمهورية قوية، ورئيس وزراء يعمل لصالح الدولة والمجتمع لا لصالح الأحزاب، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون برلمان قوي يشرع القوانين الضرورية ويمارس رقابة حقيقية على الحكومة باعتباره صوت المواطنين".
وأشارت إلى أن "الواقع السياسي الحالي لا يبعث على التفاؤل، فالأحزاب المهيمنة داخل مجلس النواب هي ذاتها التي كانت موجودة في الدورات السابقة، سواء القوى التقليدية أو قوى الإطار التنسيقي، في مقابل غياب شبه كامل للصوت المدني والحر، ما يقلل من فرص إحداث تغيير حقيقي في بنية الأداء التشريعي والسياسي".
ويشير مختصون إلى أن غياب الإطار القانوني الناظم لتعزيز الاقتصاد العراقي، مثل الاستثمار، والشراكة مع القطاع الخاص أسهم في تعطيل استثمار أصول الدولة، ما انعكس على معدلات البطالة وضعف النمو، ما يتطلب حزمة تشريعات متكاملة تعيد تنويع الإيرادات، وتفعل سوق الأوراق المالية.