شكّل قرار تبرئة رئيس حزب "تقدم" في العراق، محمد الحلبوسي، من القضايا المنسوبة إليه، محطة سياسية جديدة قد تعيد ترتيب خريطة التنافس داخل البيت السني.
يأتي ذلك وسط تساؤلات عن فرص عودة الحلبوسي إلى أحد المناصب الرئاسية، بعد الانتخابات المقبلة.
وأصدرت المحاكم المختصة، أخيرًا، قرارات برد الشكاوى وإلغاء التهم الموجهة إلى الحلبوسي، وإغلاق التحقيقات المرتبطة بها، بما في ذلك ملف استقالة النائب السابق ليث الدليمي، وملف التعاقد مع شركة ضغط أمريكية.
واعتبر حزب "تقدم" ذلك تأكيدًا قانونيًا على براءة رئيسه من جميع الادعاءات السابقة.
وفي يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، فجّرت المحكمة الاتحادية العراقية مفاجأة مدوية، عندما أصدرت قرارًا بإنهاء عضوية محمد الحلبوسي من مجلس النواب، وإقالته من منصب رئيس البرلمان، على خلفية ما قالت إنها "تهمة تزوير" تتعلق باستخدام استقالة قديمة للنائب ليث الدليمي وتعديل تاريخها، قبل أن تنقض المحاكم المختصة بعد سنتين.
وفتحت هذه القرارات الباب واسعًا أمام سيناريوهات متعددة تتعلق بمستقبل الحلبوسي السياسي، لا تقتصر على العودة إلى رئاسة مجلس النواب، بل تمتد إلى إمكانية ترشحه لموقع رئاسة الجمهورية، في ظل تصاعد الدعوات لكسر العرف السياسي السائد منذ عام 2003.
وقسّم هذا العرف الرئاسات الثلاث بين المكونات الطائفية، وأبقى رئاسة الجمهورية حكرًا على الأكراد، وتستند هذه الدعوات إلى أولوية الاستحقاق السياسي، وحجم التمثيل الذي بات يحظى به حزب "تقدم" في الساحة السنية.
بدوره، قال القيادي في حزب "تقدم"، عمار الجميلي، إن "الحزب سيحصد بعد خوض الانتخابات المقبلة إما المرتبة الأولى في بغداد أو الثانية"، مضيفًا أن "حزب تقدم سيكتسح الساحة السنية بنسبة تصل إلى 85%، استنادًا إلى المعطيات والتحالفات الحالية".
وأضاف الجميلي لـ"إرم نيوز"، أن "عودة الحلبوسي إلى رئاسة مجلس النواب أو توليه منصب رئاسة الجمهورية مطروحة بجدية، إذ لا يوجد نص دستوري يحدد أن يكون رئيس الجمهورية من المكون الكردي، ورئيس الوزراء من الطائفة الشيعية، ورئيس البرلمان من الطائفة السنية، بل هو عرف سياسي نشأ بعد عام 2003".
وتابع: "نحن نطمح لأن يتسنم الحلبوسي رئاسة الجمهورية، أولاً لكسر هذا العرف، وثانيًا لأخذ الاستحقاق الطبيعي، فالمكوّن الشيعي هو الأغلبية السياسية، يليه السنة ثم الأكراد، وبالتالي فإن رئاسة الوزراء من حصة الشيعة، ورئاسة الجمهورية يجب أن تكون من نصيب السنة، بينما تؤول رئاسة البرلمان إلى الكرد".
في المقابل، يرى مختصون في الشأن القانوني أن قرار التبرئة الأخير، رغم قوته الإجرائية، لا يُلغي بالضرورة مفاعيل قرار المحكمة الاتحادية السابق، الذي أنهى عضوية الحلبوسي في البرلمان بدعوى ارتكاب مخالفة دستورية.
ويُتوقع – بحسب خبراء - أن تعود هذه النقطة إلى الواجهة إبان المصادقة على نتائج الانتخابات، إذ ستكون المحكمة ذاتها مطالبة بالحسم في مدى إمكانية ترشح الحلبوسي لأي منصب جديد.
في المقابل، تبقى عودة الحلبوسي إلى الواجهة الرئاسية مرهونة أيضًا بالخريطة الجديدة للتحالفات السنية، وسط استمرار التقاطعات بينه وبين أطراف أخرى فاعلة مثل خميس الخنجر وممثلين عن قوى سياسية في سامراء والأنبار.
ويرى مراقبون أن توحيد الصف السني خلف مرشح واحد سيكون العامل الحاسم في تحديد مستقبل رئاسة البرلمان.
ولفتوا إلى أن غياب التوافق قد يعيد إنتاج الانقسامات التي ظهرت في الدورة السابقة، ويمنح الكتل من باقي المكونات هامشًا أوسع للتأثير في مسار التفاوض بعد الانتخابات.
في هذا الصدد، رأى الباحث في الشأن السياسي جاسم الغرابي أن "كل شيء ممكن حاليًا، وفق الاتفاقات السياسية القائمة بين الأطراف، باعتبار أن منصب رئاسة البرلمان من حصة المكون السني".
وأضاف الغرابي لـ"إرم نيوز "، أن "هناك تقاطعات واضحة داخل المشهد السياسي السني، وإذا ما اتفقت هذه القوى على مرشح واحد، فسيكون الإطار التنسيقي والقوى الكردية ملزمين بدعم الحلبوسي".
وتابع: "أما إذا استمر الخلاف بينه وبين الخنجر وبعض القوى الأخرى، فإن المشكلة ستتفاقم خلال الانتخابات المقبلة".
ورأى أن "الحلبوسي مقبول من أغلب الأطراف، وهو قادر على إدارة مجلس النواب أو تولي أي منصب آخر".
ويعد حزب "تقدم" أبرز الأحزاب داخل المنظومة السنية، ويحتفظ بعلاقات تنسيقية متقدمة مع أطراف كردية وشيعية.
ويُرجح أن يسعى الحزب إلى توظيف هذه العلاقات في مرحلة ما بعد الانتخابات، لترسيخ موقعه في الرئاسات الثلاث، سواء عبر بوابة البرلمان أو من خلال طرح اسم الحلبوسي لمواقع سيادية أخرى.