في سباق مع الزمن، تكثف القوى المدنية في العراق لقاءاتها ومشاوراتها، أملاً بولادة تحالف لمواجهة الأحزاب التقليدية، وسط تشكيك متزايد بجدوى هذه التحركات.
وتشهد الأيام الحالية تحركات مكثفة من قبل الحركة المدنية الوطنية والحزب الشيوعي العراقي، إلى جانب قوى مدنية أخرى، لعقد تحالف انتخابي واسع استعداداً لانتخابات مجلس النواب المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
وبرزت تحذيرات من محاولات قوى وشخصيات سياسية تقليدية لاختراق الحراك المدني الجديد عبر دعم قوى تدّعي الانتماء للمشروع المدني، في محاولة لإعادة تدوير الوجوه المرتبطة بالمحاصصة، وهو ما قوبل برفض صريح من بعض الفاعلين في هذا المسار.
ويرى القيادي في حركة امتداد، مسعد الراجحي، أن "المداولات الجارية بين عدد من الأحزاب والتيارات والحركات السياسية بشأن تشكيل تحالف وطني، تركزت على مبادئ واضحة ترفض المحاصصة وأحزابها بمختلف مسمياتها، دون أي إشارات إلى الطائفة أو المذهب أو العرق أو القومية، بل تدور حول مفهوم (المظلة الوطنية)".
وأضاف الراجحي لـ"إرم نيوز" أن "التواصل كشف أيضاً عن محاولات محدودة من بعض الشخصيات وأحزاب الظل لفتح نافذة داخل التنظيمات المدنية والديمقراطية لصالح شخصيات تقليدية اعتاشت على المحاصصة وتماهت مع أحزاب السلطة".
وأكد "رفضه القاطع لهذه المحاولات"، مشيراً إلى أن "موقفه يحظى بدعم عدد من الأحزاب الواضحة في مبادئها".
وتواجه القوى المدنية تحديات متزايدة تتعلق بضعف الثقة الشعبية، خصوصاً بعد إخفاقات سابقة في تحقيق التغيير السياسي المنشود، وسط تشكيك واسع بقدرة التحالفات المدنية على تجاوز الانقسامات الداخلية، ومنافسة الأحزاب التقليدية التي تمتلك المال السياسي والنفوذ الواسع.
وتشير المعطيات إلى أن التحركات الجارية تهدف إلى تشكيل تحالف انتخابي مدني واسع يضم أكثر من 20 حزباً وتياراً، من أبرزها الحركة المدنية الوطنية، والحزب الشيوعي العراقي، وتيار قضيتنا، وحركة نازل آخذ حقي، وحزب البيت الوطني، وتجمع الفاو زاخو.
كما يضم التجمع الجديد، شخصيات سياسية مستقلة مثل النائب عدنان الزرفي، ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، والنائب المستقل سجاد سالم.
هذا وتجري مشاورات مع نواب ونشطاء سابقين سعوا إلى بناء بديل مدني حقيقي، رغم استمرار المخاوف من محاولات قوى تقليدية للانخراط تحت العناوين المدنية.
من جهته، قال سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، إن "هناك حراكًا سياسيًا مكثفًا يجري ما بين عدد من القوى الوطنية والمدنية منذ أيام من أجل تشكيل تحالف سياسي انتخابي كبير يجمع كل تلك القوى لخوض انتخابات مجلس النواب المقبل، ويكون لمواجهة القوى التقليدية".
وأوضح فهمي في تصريح صحفي، أن "الحوارات ما بين تلك القوى الوطنية والمدنية وصلت لمراحل متقدمة، وهناك إمكانية لإعلان هذا التحالف الكبير خلال الأيام القليلة الماضية، وهو لغاية الآن يضم أكثر من 20 حزباً وتياراً سياسياً، إضافة إلى شخصيات بارزة من المجتمع العراقي".
وتثار تساؤلات واسعة عن قدرة هذه الأحزاب المدنية الناشئة على تحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات المقبلة، في ظل استمرار هيمنة الأحزاب التقليدية المسيطرة على مفاصل الدولة، وامتلاكها أدوات المال والنفوذ السياسي.
ويشكك مراقبون بإمكانية أن تنجح التحالفات المدنية الجديدة في كسر هذه الهيمنة، خصوصاً مع تفاقم حالة العزوف الشعبي عن المشاركة الانتخابية.
وفي هذا الصدد، رأى الباحث في الشأن السياسي عبدالله الركابي، أن "القوى المدنية تواجه تحديات بنيوية عميقة، لا تتعلق فقط بالبيئة الانتخابية الصعبة، بل أيضاً بقدرتها على بناء خطاب سياسي موحد وجاذب لجمهور أنهكه الإحباط".
وأوضح الركابي، لـ"إرم نيوز" أن "غياب الإمكانيات المالية، وقلة القواعد التنظيمية الصلبة، مقابل سطوة الأحزاب التقليدية الممسكة بمفاصل النفوذ والمال السياسي، يجعل مهمة التحالفات المدنية بالغة التعقيد".
ولفت إلى أن "الشارع العراقي لم يعد يقبل بالشعارات العامة، بل بات يطالب ببرامج تفصيلية وحلول عملية، وهو ما لم تنجح القوى المدنية حتى الآن في تقديمه بصورة مقنعة".
وأضاف أن "نجاح أي تحالف مدني لن يكون مرهوناً فقط بتوحد القوى، بل بقدرتها على استعادة ثقة الجمهور، وتقديم مشروع واقعي قابل للتحقيق بعيداً عن الانقسامات والصراعات الهامشية".