دخلت المواجهة بين تل أبيب والحوثيين منعطفا جديدا، مع انتقال الضربات الإسرائيلية من استهداف البُنى التحتية والمنشآت الاقتصادية، إلى الاغتيال المباشر لقيادات سياسية وعسكرية بارزة في صنعاء، في تطور يعكس اختراقاً أمنياً غير مسبوق، قد يمهّد لمرحلة أكثر تصعيداً في مسار الصراع.
وشنّت إسرائيل، الخميس الماضي، نحو 10 غارات على العاصمة صنعاء، طالت مواقع عسكرية محصّنة، واجتماعا لقيادات حكومية حوثية بارزة في حيّ حدّة؛ ما أسفر عن مقتل رئيس حكومة الحوثيين، أحمد الرهوي، وعدد من القادة العسكريين والأيديولوجيين، بينهم عبدالمجيد المرتضى، نائب وزير الداخلية، في ظل تكتم وارتباك داخل صفوف الجماعة.
وبخلاف نهجها السابق في اليمن منذ منتصف العام الماضي، شرعت تل أبيب في استنساخ تكتيكها المتدرج في استهداف قيادات حزب الله اللبناني، وصولا إلى الرؤوس الأكثر تأثيرا؛ وهو السيناريو الذي قد يتكرر مع الحوثيين بصورة قد لا تبدو متطابقة كليا، بعد هجومهم المقلق وغير المسبوق الأحد قبل الماضي، عبر صاروخ "يحمل رأسا حربيا متشظيا"، وفق الجيش الإسرائيلي.
ويقول محلل الشؤون الأمنية، محمد الباشا، إن المعطيات الأولية من ضربات الخميس الماضي، تشير إلى إصابة "قد تكون مباشرة أو في محيط موقع كان يشهد اجتماعا حضرته قيادات مدينة وعسكرية من الصف الأول لدى الحوثيين، للمرة الأولى".
وذكر الباشا في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن هذا التطور "دليل واضح على أن الاستخبارات الإسرائيلية نجحت، بصورة أو بأخرى، في اختراق المنظومة الأمنية للحوثيين، وهو اختراق يُرجّح أنه تحقق عبر وسائل الرصد الإلكتروني، سواء عبر الاتصالات أو المتابعة التقنية، أكثر منه عبر اختراق ميداني تقليدي".
وأشار إلى أنه رغم الضبابية حول حصيلة الخسائر، "إلا أن ما حدث يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في مسار المواجهة بين الحوثيين وإسرائيل، مرحلة مرشحة بأن تحمل معها موجة من الاغتيالات والاستهدافات المركّزة للمقارّ المدنية والأصول المرتبطة بالجماعة".
ووفقا للباشا، فإن هذا التحوّل يعكس قناعة لدى الطرفين بجدوى "الصبر الاستراتيجي والإصرار العقائدي على استنزاف الخصم، غير أن ما يبعث على القلق، هو أن المدنيين سيظلون الحلقة الأضعف في هذا الصراع، وعلى الأرجح سيكونون الضحية الأكبر في حرب طويلة الأمد، تتجه نحو مزيد من التصعيد".
من جهته، قال المحلل العسكري، العميد عبدالرحمن الربيعي لـ"إرم نيوز"، إن هناك تطورا لافتا في الضربات الإسرائيلية على الحوثيين، منذ تعزيز تل أبيب أسطولها الجوي بطائرات التزوّد بالوقود جوا، "بغض النظر عمّا استهدفته الهجمات الأخيرة في صنعاء، بحسب الادعاء الإسرائيلي والإنكار الحوثي".
مشيرا إلى تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قبل أشهر، والذي تحدث فيها عن قدوم مرحلة جديدة من العمليات ضد الحوثيين، وإلى التقارير العبرية التي تطرقت إلى مصادقة قيادة الجيش الإسرائيلي على خطّة اغتيالات لقيادات الحوثيين، قبل أيام.
وبيّن الربيعي، أن إسرائيل لا تستطيع تجاوز خصومتها مع الآخرين، خصوصا إن وصلت إلى حدّ المواجهة العسكرية، "ومن ثم هي لن تفوّت أي فرصة ممكنة، سواء عبر استخدام تقنياتها المتطورة من أقمار صناعية وأجهزة تنصّت ورصد، أو عبر اختراقات ميدانية بشرية، في ظل الخصومات المتعددة التي تحيط بالحوثيين مع المجتمع المحلي والقوى السياسية أو حتى مع الشعب ذاته".
وتابع: "ومن منطلق العزلة الدولية والداخلية للحوثيين، قد تحدث اختراقات، حتى من داخل الجماعة نفسها؛ وهو الأمر الذي مكّن إسرائيل من الحصول على بعض المعلومات رغم كل الاحتياطات الحوثية".
وتوقع المحلل العسكري، استمرار العمليات حتى وإن صدق الحوثيون في مزاعم توقف هجماتهم العابرة للحدود، إذا ما توقفت الحرب والحصار على قطاع غزة؛ "لأن إسرائيل في تقديري لن تتوقف عن مفاجآتها في ضرب الحوثيين كبنى تحتية أو مراكز قيادة وسيطرة أو حتى استهداف مباشر للعناصر القيادية".
مضيفا أن مشكلة الحوثيين "لم تعد تتعلق باليمن فحسب، بل أصبحت مرهونة بطهران ونفوذها، وارتباطهم بملف التطورات الدائرة بين إسرائيل وأمريكا وإيران، وهو ما يجعل تجريد الأخيرة من مخالبها أمرا محسوما، وبناء على ذلك أرى أن اليمن مقبل على أحداث كبيرة في المنظور القريب، قد تفضي إلى دعم قوي للحكومة اليمنية سياسيا واقتصاديا وعسكريا، بهدف الخلاص من الحوثيين وتهديداتهم".
في المقابل، يعتقد الباحث في شؤون الحوثيين العسكرية، عدنان الجبرني، أن أهمية العمليات الإسرائيلية الأخيرة، تكمن في أنها تُسبب إرباكا في قسم كامل من الجماعة الحوثية، "وهو القسم الإداري، الذي كان يتحرك بأريحية إلى حد ما تحت أعين الطائرات الإسرائيلية" ما يفقدهم الأمان ويجعل كل الأقسام القيادية في حالة تخفٍ وقلق".
وذكر الجبرني في تدوينة على منصة "إكس"، أن هذه التطورات ستضطر الحوثيين إلى اتخاذ إجراءات أمنية لمختلف المستويات القيادية، "وهذا بقدر ما سيعقّد الاستهداف السهل، ويحمي الجماعة من الخسائر الجماعية، فإنه يمنح فرصة لفهم تكتيك الحوثيين الأمني، ويوفر فرص اختراق".
موضحا أن ذلك يعود لصعوبة التزام القسم القيادي الإداري بالتعليمات الأمنية المشددة؛ "لأن الكثير منهم لم ينشأ على هذه الإجراءات أو يعتادها، في حين أن دوائرهم المقرّبة والعائلية ليست مغلقة أو محصّنة، ومن ثم ما من ضمانة لعدم تسرّب المعلومات والأنماط".