في الآونة الأخيرة، كثفت فرنسا تحركاتها في ليبيا؛ ما يثير تساؤلات حول موقف هذا البلد الأوروبي وتوجهاته المتقلبة منذ سنوات، بعد أن وجد نفسه معزولًا في الجنوب أمام منافسيه التقليديين مثل إيطاليا وروسيا وتركيا.
وبدأت باريس في إعادة تشكيل سياستها تجاه ليبيا، سعيًا لتصحيح مسارها بعد دعمها السابق للمسار العسكري على حساب التسوية السياسية.
ووفقًا للمصادر، تبذل فرنسا جهودًا لإعادة التواصل مع الأطراف جميعها في ليبيا، سعيًا للحفاظ على مكاسبها الإستراتيجية، خاصة في الجنوب الليبي.
ولم تتبلور خطة واضحة بعد، إلا أن الأنشطة الدبلوماسية الفرنسية التي يقودها السفير مصطفى مهراج والمبعوث الخاص بول سولير تشير إلى رغبتها في توحيد المؤسسات الليبية وإنشاء سلطة تنفيذية موحدة قبل إجراء الانتخابات.
هذا التحرك يعتبر خطوة أساسية من وجهة نظر القوى الغربية لتمهيد الطريق لإنهاء الوجود الأجنبي في ليبيا.
وفي هذا السياق، شددت المنسقة السياسية الفرنسية في الأمم المتحدة، إيزيس جارود دارنو، على أن غياب حكومة موحدة في ليبيا يسهم في انتشار شبكات الاتجار بالبشر والتهريب.
ويستهدف الحراك الفرنسي التركيز على إقليم فزان في الجنوب الليبي، والاهتمام به الذي يأتي من باب مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، على اعتبار أنه يعد نقطة عبور للمهاجرين إلى سواحل المتوسط، وفق ما يذكر المحلل السياسي مصطفى الوحيشي؛ لتتجاوز هذه القضية مسائل أخرى تتعلق بتجديد حضورها التاريخي مثلما كان عليه الحال خلال الاحتلال الفرنسي للإقليم.
وتشتد الحاجة إلى سلطة موحدة مثلما أكدته المنسقة السياسية لفرنسا لدى الأمم المتحدة، إيزيس جارود دارنو، في مجلس الأمن بـ"أن غياب حكومة موحدة ومؤسسات مستقرة في ليبيا يسهم في ازدهار شبكات الاتجار بالبشر والتهريب".
وقال الوحيشي لـ"إرم نيوز"، إن الأرقام الرسمية للفترة بين عامي 2011 و2022 أظهرت تراجع فرنسا من المركز الثالث إلى الثامن في ترتيب الشركاء التجاريين لليبيا، ومن المركز الخامس إلى المركز السادس عشر في قائمة مورديها.
ومن هنا، وفق المحلل السياسي، تسعى فرنسا إلى استعادة مكانتها من خلال تعزيز حضورها التجاري في ليبيا، بهدف اللحاق بكل من تركيا والصين وإيطاليا، وذلك عبر جذب الشركات ذات الخبرة المعترف بها في مختلف القطاعات الاقتصادية.
في المقابل، يظهر الدبلوماسيون الفرنسيون اهتمامًا متزايدًا بالقطاع الزراعي في ليبيا، حيث تم الاتفاق بين السفير الفرنسي مصطفى مهراج والنائب الأول لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، وزير الزراعة والثروة الحيوانية حسين القطراني، على "تفعيل المشاريع الزراعية والأمن الغذائي والصحة الحيوانية والبيطرية".
وتتركز الأراضي الصالحة للزراعة في جنوب ليبيا، في منطقة يعرف الفرنسيون تضاريسها وإمكاناتها الزراعية جيدًا، بالنظر إلى تاريخها كجزء من مستعمراتهم السابقة. وتحاول فرنسا استغلال تهميش حكومات الشمال للجنوب الليبي للتغلغل في المنطقة، مع التركيز على إقناع سكان إقليم فزان بربطه بمنفذ سرت البحري الذي حُدِّد في العام 2011. هذا التوجه يأتي في ظل خسائر فرنسية متتالية في جيرانها من دول الساحل الأفريقي مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو؛ ما يدفعها للبحث عن فرص جديدة في ليبيا.
وعلى عكس الموقف الفرنسي، اتخذت إيطاليا موقفًا مختلفًا في التعامل مع المجالس العسكرية الانقلابية في منطقة الساحل الأفريقي.
وخالفت إيطاليا نهج "المتشددين" في الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا، الذين اتخذوا تدابير صارمة لصد تدفق المهاجرين غير النظاميين عبر النيجر إلى جنوب ليبيا. بدلاً من ذلك، حافظت إيطاليا على قوات خاصة للمساعدة على تدريب القوات المحلية، في حين طردت نيامي القوات الفرنسية والأمريكية والألمانية من البلاد.