ارتفعت حوادث خطف الأشخاص في سوريا بشكل لافت خلال الفترة الماضية، فخلال 10 أيام من شهر يوليو الماضي، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان 17 حالة خطف بينها 3 سيدات، عدا عن نداءات البحث المتعلقة بمفقودين خرجوا ولم يعودوا لمنازلهم.
وازدادت المخاوف مؤخراً، بعد تعرض أحد صياغ دمشق مع ابنه، للخطف في موقع قريب من وزارة الداخلية السورية الكائن في حي كفرسوسة، حيث أجبرهما 5 أشخاص مسلحين على النزول من السيارة والصعود إلى "فان" حملهما وتوارى عن الأنظار بسرعة.
واضطرت العائلات لوضع قواعد صارمة على تنقل الأبناء، خاصة الإناث منهم، تقضي بعودة الجميع للمنزل قبل الساعة الـ5 مساءً، مع الحرص على إبقاء أجهزتهم الخليوية مشحونة وقادرة على استقبال الاتصالات بشكل دائم.
وتبعاً للحالات التي تقصاها "إرم نيوز"، فإن بعض حالات الخطف، تتم من أجل السرقة وطلب الفدية، وبعضها من أجل الانتقام والثأر، وأخرى تبقى مجهولة الدافع؛ نظراً لاختفاء الأشخاص دون طلب فدية مقابل إطلاق سراحهم، ودون ظهور ما يؤكد مقتلهم.
وتقول الشابة "سناء"، لـ"إرم نيوز": "لا تكاد الساعة تقترب من الـ5 مساءً، حتى تبدأ اتصالات أمي الملحة، بضرورة العودة للمنزل في الوقت المحدد. حتى أخوتي الشباب ملزمون بالوصول للبيت في هذا الوقت".
تعديل أوقات الدوام
وأجبرت حوادث الخطف المتكررة في دمشق وبقية المدن السورية، الشركات الخاصة على تعديل مواعيد الدوام المسائي بالنسبة للموظفين، خاصة النساء منهم، واضطر البعض للاستقالة؛ بسبب بعد السكن عن مكان العمل، حيث تكثر حوادث الخطف بعد هبوط الظلام.
ولكن ما حصل مع "سليم" وهو صاحب مطعم شهير في باب توما، كان مختلفاً، حيث احتجزه شخصان مسلحان على دراجة نارية، ادّعيا أنهما من الأمن العام، ثم قاما بسلبه مبلغاً كبيراً من المال، قبل أن يطلقا سراحه ويلوذا بالفرار.
يقول سليم، لـ"إرم نيوز": "يبدو أنهما كانا يراقبانني ويعرفان أنني ذاهب لجلب بضاعة للمطعم من محلات بيع الجملة، فقاما بإيقافي وسلبي المال، والحمد لله أنهما لم يقتلاني".
ولا تقتصر التحذيرات المنشورة على صفحات السوشيال ميديا، على ضرورة عدم التجول بعد الـ5 مساءً، فالكثيرون ينصحون بحذف الرسائل والصور عن أجهزة الموبايل قبل الخروج للشارع، خوفاً من تفتيشها فجأة من قبل مسلحين يبحثون عن ذريعة للاعتداء على العابرين.
ولا تقتصر حالات الاختفاء القسري على عمليات الخطف، فقد اضطرت وزارة الداخلية السورية للاعتذار عدة مرات خلال الفترة الماضية، إثر وفاة أشخاص في السجون نتيجة الاعتقال والتعذيب من دون مذكرات قضائية، آخرهم شاب من حي القابون اعتقل في الجامع الأموي، وآخر من حي الكلاسة بحلب.
"وضع أمني هشّ"
ويقول صاحب المطعم "سليم": "الوضع الأمني هشّ، وهناك فوضى تحتاج لمزيد من الوقت حتى تعالج بشكل صحيح، وحتى يحدث ذلك، لا بد من أن يأخذ الجميع حذره الشديد".
ويبدو الخوف من الثأر، سبباً إضافياً يدفع الناس للعودة إلى المنزل باكراً، إذ تسبب الانقسام المجتمعي بعمليات خطف وقتل عشوائي طالت أشخاصاً بسطاء لا علاقة لهم بما يجري في سوريا.
وتقول والدة الشابة "سناء"، لـ"إرم نيوز": "لا أريد أن أنام بين القبور، وأرى منامات مزعجة. فمن الأفضل أن يترك أبنائي وظائفهم ويبقون في المنزل، مقابل أن يبقوا سالمين".
حالات الخطف والاختفاء القسري للأشخاص، أثرت أيضاً على العلاقات الاجتماعية وتبادل الناس للزيارات فيما بينهم. فالساكنون في ريف دمشق، ألغوا مشاويرهم المسائية نهائياً، نتيجة كثرة الحوادث وبعد المسافة مع مركز المدينة.
ويضيف سليم: "لقد خفّ زبائن المطعم كثيراً، ولم أعد أفتح حتى ساعة متأخرة كما اعتدت سابقاً، وذلك خوفاً من الاعتداء أو الخطف".
ويبدو أن الاستعصاءات السياسية والتوترات الداخلية في سوريا، تزيد من هشاشة الوضع الأمني واحتمال تعرض الأشخاص للخطف أو الاعتداء في الشارع أو مكان العمل، كما يقول سليم، ويضيف: "لا شك أن الانفراج السياسي سيعني مزيداً من الاستقرار في حياة الناس بشكل عام".