أثار تصديق البرلمان العراقي على قانون "العفو العام" ردود فعل متباينة في الشارع السياسي والشعبي، كونه يتضمن ثغرات قانونية لإخراج المتورطين بالإرهاب، فيما يرى آخرون أنه يحقق الاستقرار السياسي والمصالحة الوطنية.
وأحدث القانون الذي أقره البرلمان، الثلاثاء الماضي، انقسامًا واسعًا بين القوى السياسية، باعتباره يأتي في وقت حساس من الناحية الأمنية في البلاد.
وترى القوى السياسية "الشيعية" أن القانون يؤدي إلى الإفراج عن المتورطين بجرائم إرهابية، فيما تراه القوى "السنية" فرصة لمراجعة الأحكام التعسفية لعشرات المحكومين على خلفية ما يسمى "المخبر السري" والتعذيب الجسدي.
ويقول عضو البرلمان، كاظم الشمري، لـ"إرم نيوز"، إن "هناك المئات بل الآلاف من الأبرياء من أبناء المناطق الغربية والشرقية (الأنبار، نينوى، صلاح الدين، ديالى، كركوك) يقبعون داخل السجون العراقية، وغالبيتهم ممن حوكموا بشكل غير قانوني واستنادًا إلى المخبر السري".
وأضاف: "هناك أصلًا من لم توجه لهم تهم وما زالوا في السجون، لهذا طالبنا ككتل سنية بإقرار قانون العفو، وتضمين فقرات تتيح إعادة النظر بدعاوى العشرات من الأبرياء".
وبين الشمري: "رغم فرحتنا بإقرار القانون لإعادة الحقوق لأبنائنا فإنه لن يحل غير جزء يسير من القضايا العالقة في المحاكم"، مشيرًا إلى أن "التصويت على القانون يأتي من باب إنساني بحت".
وكانت القوى "السنية" تطالب على مدى أعوام بإقرار قانون العفو العام وشمول المحكومين في قضايا الإرهاب، إذ تؤكد أن العديد من المحكومين في قضايا الإرهاب تم اعتقالهم بناءً على معلومات مغلوطة قدمت من قبل مخبرين سريين لديهم دوافع شخصية أو سياسية.
وتشير وزارة العدل العراقية إلى أن عدد المحكومين بقضايا الإرهاب يزيد على (50) ألف سجين، وهذه الأعداد تكاد ترعب المراقبين والمختصين بالشأن الأمني، الذين يرون أن خروج 25% منهم يمكن أن يؤدي إلى اضطراب الوضع الأمني في البلاد.
ويلاقي القانون انتقادات حتى من داخل الكتل "السنية"، فقد وصف عضو تحالف الأنبار المتحد، عبد الرزاق الدليمي، التصويت على القانون بـ"المهزلة"، وقال إنه يتضمن ثغرات قانونية لإخراج المتورطين بالإرهاب.
وأضاف، لـ"إرم نيوز"، أن "التصويت على القانون كان بطريقة مخالفة لعمل مجلس النواب، وفي سلة واحدة، فقد تم تجاهل عشرات المعترضين من أعضاء البرلمان على بعض فقرات القانون، إلا أنه تم تمريره لتحقيق مكاسب انتخابية لا غير".
وكان القانون قد تم إقراره لأول مرة عام 2016، إلا أنه تم تعديل فقرات عديدة منه لإعادة إقراره، خصوصًا أنه وسّع من قائمة المشمولين بالعفو، لتشمل سارقي المال العام والمتورطين بقضايا تمس أمن البلاد.
وحول هذا، يقول عضو لجنة النزاهة النيابية، دريد جميل، إن "قانون العفو سيمكّن شخصيات كبيرة متورطة بقضايا وملفات فساد من الإفلات من العقاب... كأن القانون قد تم تفصيله ليشمل تلك الشخصيات"، وفق قوله.
وأضاف، لـ"إرم نيوز"، أن "القانون سيشجع المتورطين بتجارة المخدرات، فقد تم تحديد كمية من غرام حتى 50 غرامًا للمشمول بالعفو واعتباره متعاطيًا لا تاجرًا، وهذه مخالفة كبيرة للتشريعات والمواثيق العالمية التي من شأنها الحد من تجارة المخدرات".
ويعد قانون العفو واحدًا من أبرز النقاط التي تم التوافق عليها إبان تشكيل ائتلاف "إدارة الدولة"، الذي جمع "الإطار التنسيقي"، والكتل الكردية والعربية السنية، والذي أفضى إلى تشكيل حكومة رئيس الوزراء الحالي، محمد شياع السوداني عام 2022.
ويرى مراقبون أن العفو العام بمجمله كان يحتاج إلى نقاش واسع يوازن بين تحقيق العدالة والمصالحة والمصلحة العامة للبلاد، مع ضمان عدم التهاون في قضايا تمس أمن واستقرار البلاد والمجتمع.
ويقول الباحث السياسي، علي زوير، إن "الحديث عن قانون العفو دائمًا ما يأتي في أوقات أزمات سياسية أو محاولات لتهدئة الأوضاع، ما يثير تساؤلات حول نوايا الأطراف الداعمة للقانون، وهل الغرض منه تحقيق المصالحة الوطنية أم كسب تأييد سياسي معين؟".
وأكد، لـ"إرم نيوز"، أن "شمول المتورطين بالإرهاب تحديدًا يثير مخاوف كبيرة، إذ إن شمول بعض المتهمين أو المدانين بقضايا الإرهاب بالعفو قد يُفسَّر على أنه تهاون مع الجرائم التي أضرت بالمجتمع، خاصة مع وجود ضحايا وعائلات لا تزال تعاني من آثار هذه الجرائم".