قال أنس محمد الشيخ، المعروف باسم "أبو زهير الشامي"، وهو "القائد العام للجهاز السوري لمكافحة الإرهاب" المستقل، إن التضارب في المواقف والسياسة الخارجية لكل من تركيا وإسرائيل يقف كسبب رئيسي في انفجار الأحداث في محافظة السويداء جنوب سوريا.
وأضاف الشيخ، الذي يرأس "الجهاز السوري لمكافحة الإرهاب" المدعوم من التحالف الدولي، ويعمل بالتنسيق مع وزارة الدفاع، فيما يصف نفسه بأنه معارض للسلطة السياسية، إن الاستفزازات والتحريض المستمر داخليًا بين السلطة في دمشق ومجموعات درزية تابعة للشيخ حكمت الهجري، مهدت الطريق أمام انفجار الأحداث بالشكل الذي رأيناه.
وأشار إلى أن السبب المباشر وراء اشتعال فتيل المعارك هو الحدث الداخلي، والإشكال الذي حدث مع البدو، والذي تطور إلى خطف متبادل وقتل تدخلت فيه القبائل المجاورة، وكادت تنجح في وقف الاشتباكات، لكن التحريض استمر لتتدخل قوى السلطة، في محاولة فرض سلطة الدولة والفصل بين المتصارعين ونزع سلاحهم الثقيل، لكن تقاطر الإمدادات من المناطق المختلفة، وضعف سيطرة السلطة، أديا إلى حدوث انتهاكات واسعة بين الطرفين.
الدور الإسرائيلي
وحول الدور الإسرائيلي في الأحداث الجارية، قال قائد جهاز مكافحة الإرهاب إن "إسرائيل لم تكن جدّية في اليومين الماضيين، لكنها اليوم تبدو أكثر حزمًا في دعم ميليشيا الهجري"، لافتًا إلى أن إسرائيل تستثمر في هذا الصراع لإقناع الدروز بأنها حاميتهم الوحيدة، وأنهم لا يستطيعون التعايش مع أبناء بلدهم، حسب قوله.
وأوضح الشيخ أنه "منذ البداية، كانت تصريحات إسرائيل عن حماية الدروز هي العامل الأهم في التحريض، والذي جعل الدروز يتحدّون السلطة، فيما ردّت السلطة والفصائل بإجراءات قاسية، كون ما يتحدث به الدروز من دعم إسرائيلي مستفز للشعب السوري عامة".
ولكن "أبو زهير الشامي" يرى أن إسرائيل باتت اليوم محرجة بين النظام الذي يتقارب معها وداعميه، وبين وعودها للدروز التي لا تعرف كيف تتنصل منها؛ فقامت بقصف الآليات الثقيلة لإرضاء دروز إسرائيل، لكنها لا تستطيع معارضة دخول الدولة إلى السويداء، كون المصالح الإسرائيلية والأمريكية أهم وأكبر من دعم ميليشيات محلية كـ"ميليشيات الهجري"، على حد وصفه.
تواصل وضغوط
وكشف القائد العام لجهاز مكافحة الإرهاب عن العديد من محاولات التواصل والاجتماع بين ممثلين عن الدولة وممثلي الدروز، "بحسب ما تسمح الظروف الأمنية"، لكن درجة كبيرة من عدم الثقة بين الطرفين تُعرقل استمرار التواصل، كما قال، حيث تم اختطاف العديد ممن يحاولون التهدئة والتوسط. ويكشف الشامي عن جهود بذلها شخصيًا لإقناع الطرفين بالاجتماع، بعد اتصاله بالشيخ يوسف جربوع وقائد لواء الجبل شكيب عزام "أبو ريان"، مرجّحًا أن الأمور ستتجه نحو الاستقرار التدريجي.
وحول الموقف المتغير للشيخ حكمت الهجري أمس، وإعلانه أنه تعرّض لضغوط من السلطة ومن أطراف إقليمية، قال الشامي: "نعم، هناك ضغط أمريكي تركي، وتفاعل إسرائيلي خجول، وهناك أيضاً الضغط العسكري الكبير من الدولة والقبائل، وهو ما جعله يقبل وهو منكسر".
وقال "الشامي" إن الدولة لن تقبل باستمرار الدور المحرّض للشيخ الهجري، ولا يوجد خط أحمر لحماية السلم الأهلي، ولكن لمكانة الهجري في طائفته، وبراغماتية السلطة، نرجّح حصول تسوية معه بشروط، أهمها ألا يعود إلى المعارضة المسلحة، وأن يلتزم بدوره كرجل دين، وإلا سيتم اعتقاله كأي مواطن سوري وسيُحاسب.
من السويداء إلى "قسد"
وعن التأثير المحتمل لملف السويداء على مآل العلاقة بين دمشق و"قسد"، يقول القيادي الشيخ إن "قسد" دأبت على تحريض النزعة الانفصالية عند الدروز منذ ما قبل سقوط النظام، وأرسلت الأموال وعرضت الدعم، فهي تحتاج إلى حلفاء من الأقليات في مشروعها الانفصالي. وكذلك تفعل مع الدروز والمسيحيين، إذ تمتلك "قسد" فائضًا وفيرًا من المال من عائدات النفط الذي تبيعه تهريبًا خارج القانون، وتوظفه لشراء الذمم والمرتزقة والإعلاميين ورشوة السياسيين، وبقاء تلك الثروة بيدها سيؤدي إلى المزيد من العنف والضحايا في سوريا، حسب تعبيره.
ويكشف "الشامي" أن ما ينتظر "قسد" هو تمامًا ما يحصل اليوم في التعامل مع الدروز، رافضًا الخوض في "التفاصيل الأمنية" لخطة السلطات السورية لحل ملف "قسد" بسبب سريتها، على حدّ قوله. ولكنه يقول: "باختصار، المصالح الاقتصادية الأمريكية والأوروبية أهم من دعم ميليشيات محلية كـ(قسد). وأمريكا الآن لا تهمها قسد بقدر أهمية التواقيع الاقتصادية التي يصدرها أحمد الشرع. و(قسد) تعلم الآن بأن الأمريكي لم يعد مباليًا بها، وهي تعتمد حاليًا على الروس والفرنسيين"، واصفًا هذا التحول بأنه "غباء لا يوصف"؛ لأن روسيا لن تدخل في حرب مع سلطة تريد منها أيضًا تواقيع اقتصادية وقاعدة عسكرية، وبالتالي لن تخسرها لأجل (قسد). والآن "تم بيع قسد كما تم بيع الدروز، بكل صراحة"، على حدّ تعبيره.
وعن الشكل النهائي لأي اتفاق مع "قسد"، وشكل الدمج، يقول قائد الجهاز السوري لمكافحة الإرهاب: "بالتأكيد سيتم الأمر كما تريد دمشق، وإلا ستستخدم السلطة الخطة (ب)، وأنا فعليًّا أقرب إلى هذه الخطة، وأؤكد لكم حسب اطلاعي عليها، أن (قسد) ستكون من الماضي، ولن تكون شريكًا متحكمًا بقرارات السلطة. فنحن لا يجب أن ندخل في تجربة فاشلة، والجيش ليس تجمع ميليشيات ينفرط عند أول أزمة، بل سيكون جيشًا وطنيًّا متماسكًا، وقادرًا على حفظ وحدة البلاد".
الموقف الأمريكي
وحول وجود تنسيق مباشر بين دمشق وواشنطن حول ملفي السويداء و"قسد"، يقول أنس محمد الشيخ: لا يوجد تنسيق كما ذكر المبعوث توماس باراك، بل مساعدة ونصيحة وغضّ بصر. ويُذكّر الشيخ بقول باراك: "أعتقد أن على السلطة الحالية أن تُبدع طريقها، ومن واجب الدول مساعدتها"، بمعنى أوضح – يقول الشيخ – "تم بيع الدروز و(قسد)، كون الاقتصاد والشركات العالمية التي ستدخل دمشق للاستثمار أهم بكثير من ميليشيات (قسد) والهجري".
ويُشير إلى أن "قسد" متأكدة اليوم من تخلي الأمريكي عنها، وقد أصبحت تلعب على ورقة روسية فرنسية إسرائيلية ضد تركيا وأمريكا، وهذا الأمر لن يتم؛ لأن جميع الأطراف لديهم مصالح اقتصادية وشركات عالمية مرتبطة.
وخلص القائد العام لجهاز مكافحة الإرهاب إلى القول: "نعم، قد تأخذ بعض الوقت، ولكنه ليس بعيدًا، بل قريب جدًا"، مؤكدًا: "حسب معلوماتي الأمنية الخارجية.. قسد أصبحت من الماضي".