من جديد تبرز السويداء كإحداثية حساسة في ملف الجنوب السوري، ولا يبدو أن الاشتباكات الأخيرة بين فصائل محلية في السويداء والمجموعات البدوية المسلحة، وما تبعها من تدخلات لقوات الجيش والأمن العام المحسوبين على السلطة الانتقالية الحالية، سوى مقدمة لحلقة أعمق من تحولات تحمل طابعًا أمنيًا وسياسيًا متداخلًا ومتصاعدًا في ظل التدخل الإسرائيلي المباشر في المشهد.
وقالت مصادر محلية في السويداء لـ"إرم نيوز"، إن وقف إطلاق النار الذي أعلنته وزارة الدفاع الانتقالية ظهر اليوم الثلاثاء، لا يحمل طابعًا دائمًا أو مستقرًا، في ظل استمرار عمليات تصفية تستهدف مدنيين، يُتهم بارتكابها أفراد محسوبون على جهاز الأمن العام، إضافة إلى حالات إساءة يتعرض لها مدنيون في بعض أحياء مدينة السويداء.
وأكدت المصادر أن عناصر الفصائل المحلية لم تسلّم سلاحها، ولم تنسحب من نقاط تمركزها في محيط مدينة السويداء (مركز المحافظة)، مشيرة إلى تنفيذ الفصائل هجمات مضادة ردًا على الانتهاكات والتنكيل الذي مارسته مجموعات تابعة للأمن العام.
ورغم التوترات القائمة، أفادت المصادر بوجود خط تفاوضي مفتوح حاليًا بين وجهاء من السويداء والسلطة الانتقالية في دمشق، يتمحور حول مطلب أساسي يتمثل بانسحاب جميع العناصر المسلحة، سواء التابعة للجيش الجديد أو للأمن العام، من الحدود الإدارية للمحافظة.
وتأتي مطالبات الوجهاء بانسحاب جميع العناصر العسكرية في وقت شنّت فيه إسرائيل عدّة غارات جوية استهدفت تجمعات لعناصر "الأمن العام"، ودبابات وآليات فصائل تتبع لوزارة الدفاع.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إسرائيل كاتس أكدا اليوم أنهما أصدرا تعليمات مباشرة إلى الجيش الإسرائيلي بضرب قوات الحكومة الانتقالية والمعدات العسكرية التي تم إدخالها إلى السويداء.
وأوضحا في بيان مشترك أن "جيش الدفاع الإسرائيلي لن يسمح بوجود تهديد عسكري في جنوب سوريا، وسيواصل مراقبة التطورات عن كثب".
واستبعد مصدر دبلوماسي غربي لـ"إرم نيوز" وجود اتفاق مسبق بين إسرائيل والسلطة الانتقالية السورية يُتيح للأخيرة تنفيذ عمل عسكري ضد الفصائل المحلية في السويداء.
وكانت بعض التحليلات قد ذهبت إلى أن زيارة الرئيس السوري الانتقالي إلى أذربيجان، في 12 تموز الجاري، تخلّلتها لقاءات مع مسؤولين أمنيين إسرائيليين؛ الأمر الذي فسّره بعض المراقبين باعتباره مؤشرًا على أن التصعيد ضد الفصائل المحلية جاء بعد حصول أحمد الشرع على ضوء أخضر إسرائيلي خلال تلك اللقاءات.
هذه التأويلات قد لا تنسجم مع المنطق العام للاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع الملف السوري، والتي تتركز على منع تموضع قوات عسكرية - مزوّدة بأسلحة ثقيلة أو متوسطة - ضمن نطاق لا يقل عن 50 كيلومترًا من الحدود الإسرائيلية، بالإضافة إلى حرص تل أبيب على التأكد من خلوّ الجيش السوري الجديد من فصائل جهادية أو مجموعات ذات طابع متطرف.
وفي هذا السياق، يقرأ خبراء دخول إسرائيل بقوة على خط التصعيد في السويداء كجزء من مسعى أوسع للحصول على موقع تفاوضي متقدّم في أي حوار سياسي مستقبلي مع السلطة الانتقالية في دمشق، خاصة في ظل ما تروّج له بعض الأوساط الأميركية من احتمالات لانفتاح تدريجي بين إسرائيل وسوريا الانتقالية، قد يمرّ عبر مسارات تطبيع غير معلنة.
وأشارت المصادر إلى أن الضربات الجوية الأخيرة يمكن قراءتها كإعلان إسرائيلي واضح عن حدود "الهوامش المقبولة" في لعبة التوازنات السورية؛ التي تراقبها إسرائيل عن كثب.
وقالت إن السلطة الانتقالية وجدت نفسها تعيد إنتاج منطق السيطرة باستخدام أدوات النظام السابق؛ انطلاقًا من عسكرة التفاوض، وفرض السلطة بالقوة، وتموضع الجيش كأداة فض للاشتباكات.