أثار اختراق أجهزة الاتصالات اللاسلكية، التي تحمل علامة تجارية لشركة آسيوية وتستخدمها عناصر ميليشيا "حزب الله"، بحثا مكثفا عن مسار هذه الأجهزة، ما كشف عن سوق غامضة لأجهزة بتقنيات قديمة قد لا يحصل فيها المشترون على ضمانات تُذكر على ما يشترونه.
ونقلت "رويترز" عن محللين ومستشارين أنه رغم إدارة سلاسل التوريد وقنوات التوزيع للمنتجات الجديدة الأكثر تطورا بشكل محكم، فالأمر ليس كذلك بالنسبة للأجهزة الإلكترونية القديمة الواردة من آسيا، لأن التقليد والمخزونات الفائضة والطبيعة المعقدة لصفقات التعاقد على التصنيع تجعل تحديد مصدر المنتج مستحيلا في بعض الأحيان.
وسلطت ردود فعل الشركات التي ارتبطت أسماؤها بالأجهزة المفخخة، التي قتلت 37 شخصا وأصابت نحو 3 آلاف آخرين في لبنان الأسبوع الماضي، الضوء على صعوبة تحديد طريقة وتوقيت تحويلها إلى أسلحة.
وألقت شركة "غولد أبوللو"، ومقرها تايوان، المسؤولية على شركة في أوروبا تحمل ترخيص استخدام علامتها التجارية، ما دفع المجر وبلغاريا والنرويج ورومانيا إلى إجراء تحقيقات لمعرفة مناشئ هذه الأجهزة.
وقالت شركة "آيكوم" اليابانية في بادئ الأمر إنها لا تستطيع تحديد ما إذا كانت أجهزة الاتصال اللاسلكية التي تحمل اسمها أصلية، لأن السوق مليئة بالمنتجات المقلدة. لكنها أصدرت بيانا يوم الجمعة قالت فيه إنه من المرجح بشكل كبير ألا تكون الأجهزة اللاسلكية التي انفجرت في لبنان من منتجاتها.
ونقل موقع "آيكوم" عن وزير الاتصالات اللبناني، جوني القرم، قوله إن الأجهزة لم تُسْتَوْرَد عن طريق موزع، وإن المنتجات المقلدة التي تحمل رقم الطراز نفسه تُستَورَد من دول أخرى.
تخطيط مذهل
وقال الخبير والاستشاري في مجال التكنولوجيا المقيم في الصين، ديفيد فينشر، "إذا اُختُرِقَت سلسلة التوريد لوضع متفجرات داخل الأجهزة فهذا تخطيط مذهل. غير أن اختراق سلسلة التوريد الحالية ليس صعبا، وهو ربما أسهل ما في الأمر".
وأضاف أن المنتجات المقلدة منتشرة بشكل كبير خاصة في مراكز التصنيع الكبرى مثل الصين، إذ يمكن إنتاج مكونات مقلدة بسهولة، مضيفا أن الانتقال من المكونات المقلدة إلى اختراق سلاسل التوريد سهل.
وتابع "باعتباري متخصصا في مجال التكنولوجيا، أستطيع أن أقول إن وضع متفجرات بكميات قليلة في أجهزة اتصالات لاسلكية ليس صعبا".
وقال مصدر أمني إن حزب الله حصل على الأجهزة قبل نحو خمسة أشهر، وإنه كان يعتقد أنه اشتراها من شركة "غولد أبوللو".
وأظهرت صور لجهاز بعدما انفجر أن الأجهزة المحمولة كانت عليها ملصقات مدون عليها اسم شركة آيكوم وعبارة "صنع في اليابان".
واستبعدت الشركتان احتمال تصنيع أي من المكونات القاتلة في مصانع أي منهما على أراضي البلدين.
وقال وزير الاقتصاد التايواني كيو جيه-هوي إن مكونات الأجهزة التي انفجرت في لبنان لم تُصنع في تايوان.
وحسبما جاء في رسالة من بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي، خلص تحقيق أولي أجرته السلطات اللبنانية بشأن الأجهزة إلى أن المتفجرات زُرعت فيها قبل وصولها إلى البلاد.
تصنيع غير قانوني
وقال جو سايمون الشريك في شركة خدمات الملكية الفكرية الصينية إيست آي.بي، إن جزءا من المشكلة هو أن العلامات التجارية الأصغر حجما تميل إلى عدم الاستثمار بشكل كبير في مراقبة المنتجات المقلدة، ويرجع ذلك لأسباب منها التكاليف التي قد تؤثر في ربحيتها.
وأضاف أن "السلطات لا تمانع التعامل مع المنتجات المقلدة منخفضة التقنية، لكن أصحاب الملكية الفكرية بحاجة إلى المراقبة والتحقيق وتقديم الشكاوى، وهذا لا يحدث دائما بقدر ما قد يحدث مع العلامات التجارية عالية التقنية والأكبر حجما".
وتقول شركة "آيكوم"، إن إحدى المشكلات هي أنها توقفت عن تصنيع الطراز آي.سي-في 82 الذي يدور حوله النقاش منذ نحو 10 سنوات، وهو الوقت الذي بدأت فيه وضع ملصقات مجسمة للحماية من تقليد المنتجات.
وحذرت الشركة مرارا من المنتجات المقلدة، خصوصا من طرازاتها القديمة، وحثت العملاء على استخدام شبكة الموزعين المعتمدين فقط للتأكد من أنهم يشترون منتجات أصلية.
لكن في الصين، خلص بحث أجرته "رويترز" إلى أن العشرات من المتاجر تبيع أجهزة اتصال لاسلكية تحمل علامة "آيكوم" التجارية على منصات تجارة إلكترونية مثل علي بابا وتاوباو وجيه.دي وبيندودو، ومن ضمنهم طراز آي.سي-في 82.
وتقول "آيكوم" إنها تصنع جميع منتجاتها في مصانعها باليابان. ولم ترد بعد على طلب للتعليق على المنتجات التي تحمل علامة آيكوم التجارية، والتي تباع في المواقع الصينية عبر الإنترنت.
وأظهر فحص أجرته "رويترز" أن الطراز آي.سي-في 82 الذي توقف إنتاجه يباع أيضا في فيتنام على منصة التجارة الإلكترونية شوبي، ما يشير إلى توفر هذه المنتجات على نطاق واسع.
وبالنسبة لشركة "جولد أبوللو"، التي رخصت علامتها التجارية لشركة بي.إيه.سي ومقرها بودابست، فقد تحوّلت سلسلة التوريد إلى مسار إنتاج غامض تحاول السلطات في دول مختلفة الآن التعرف عليه.
وقال ديجانتا داس من مركز أدفانست لايف سايكل إنجنيرينج التابع لجامعة ميريلاند الذي يدرس الإلكترونيات المقلدة "التوفر واسع النطاق لمعدات التصنيع الرخيصة المستعملة يعني تزايد قدرة منتجي السلع المقلدة على فعل ما هو أكثر من مجرد إنتاج أحد المكونات، بل وربما تصنيع منتجات كاملة".
وأضاف "لن أسمّي ذلك تقليدا بعد الآن، إنه أشبه بالتصنيع غير القانوني".