بينما تكافح إسرائيل منذ أيام لإخماد الحرائق في غاباتها، وهي الأكبر منذ عقود، تكثّف كل جهودها السياسية والعسكرية نحو إبقاء "النيران" مشتعلة في سوريا، مستثمرة أي توتر أمني أو طائفي لتصبّ عليه الزيت.
وما إن اندلعت شرارة توتر طائفي في ضواحي دمشق الجنوبية هذا الأسبوع، حتى سارع قادة إسرائيل إلى تكرار التصريحات التي تلوّح بتدخل عسكري، واسع أو محدود، لحماية الطائفة الدرزية.
وكان أعلى تصعيد إسرائيلي علق على البيان المشترك الذي صدر ليل الخميس عن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، إسرائيل كاتس، عقب هجوم نادر استهدف موقعًا قرب القصر الرئاسي في العاصمة دمشق، متضمّنًا رسالة إلى حكّام سوريا الجدد بأن إسرائيل لن تسمح بأي تقدّم عسكري نحو جنوب دمشق، ولن تتهاون مع أي تهديد يمكن أن يطال الطائفة الدرزية.
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، في ديسمبر 2024، أظهرت إسرائيل تصميمًا واضحًا على "استفزاز" الحكومة الجديدة في دمشق، وجرّها إلى صراع لا تريده، إذ راقبت تل أبيب عن كثب كل التطورات في العاصمة وجنوب سوريا، وصولًا إلى الساحل السوري، الذي شهد في مارس الماضي توترًا طائفيًا مماثلًا لم تفوّته إسرائيل.
سارع حينها المسؤولون الإسرائيليون لإدانة "المجزرة" ضدّ العلويين في الساحل، محذّرين دمشق من تكرارها بحق الأكراد أو الدروز، كما صرّح بذلك وزير الشتات ومكافحة معاداة السامية، عميخاي تشيكلي، الذي أكد تعهد بلاده حماية الأقلية الدرزية في المناطق القريبة من حدودها، وبذل الجهود للدفاع عن جميع الأقليات في سوريا.
إدانات لأي حادث طائفي، تلويح بتدخل عسكري لحماية الطوائف، توغل مستمر في الأراضي الجنوبية، احتلال مزيد من النقاط في جبل الشيخ، وتصريحات تتوعّد قيادات سوريا الجديد، كلها كانت بحسب مراقبين، جهدًا إسرائيليًا واضحًا لمنع نظام الحكم الجديد في دمشق من التقاط أنفاسه، وإحاطته بالحرائق.
ويعتقد أندرياس كريغ، الخبير الاستراتيجي العسكري، أن "إسرائيل ترى نفسها محاطة بالأعداء، وبقي في أذهان قادتها، منذ العام 1948 عندما تم إنشاء الدولة، أنهم كانوا يخوضون حربًا ضد جميع جيرانهم، وبالتالي ليس لديهم ثقة، وبدلًا من التعامل مع القيادة السورية الجديدة، تراهن إسرائيل مرة أخرى على المواجهة".
قبل أسبوع، كان الرئيس السوري، أحمد الشرع، يطرح مبادرة مفاجئة بإعلان انفتاحه على التطبيع مع إسرائيل، عند لقائه بأعضاء من الكونغرس الأمريكي في دمشق، لكن الدعوة لم تلق أي رد إيجابي من تل أبيب، بل كان وزير خارجيتها، جدعون ساعر، في بروكسل يطرح تصورًا إسرائيليًا لسوريا "المستقرة" تكون فيه اتحادية تضمّ مناطق حكم ذاتي مختلفة و"تحترم أساليب الحياة المختلفة".
وتفسّر كارميت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، التعاطي السلبي لإسرائيل مع "سوريا الجديدة" برفضها وعدم ثقتها بأي حكم إسلامي قرب حدودها، معقتدة أنه "لا ينبغي الاعتماد على البراغماتية التي يُظهرها الشرع حتى الآن، وأننا يجب أن نكون مستعدين للسيناريو السلبي"، بحسب "سي إن إن".