يرى خبراء أن تصريحات المسؤول الأمريكي جيمس جيفري، حول اللامركزية في سوريا تلقى رفضاً من الإدارة السورية الجديدة لأسباب أيديولوجية وهيكلية.
لكن الجانب الأمريكي يرى في اللامركزية حلاً عملياً، تعتبرها القوى المسيطرة تهديداً لشرعيتها وهيكل سلطتها القائم على التحالفات المسلحة والولاءات الفصائلية.
وتعكس هذه المعضلة التحدي الأساس في المشهد السوري، حيث تمنع البنية الأمنية-العسكرية الحاكمة أي توزيع حقيقي للسلطات، بينما ترفض القوى الإقليمية الفاعلة مثل تركيا أي نموذج قد يقلص نفوذها، وفق مراقبين.
وأوضح الكاتب والباحث السياسي، مالك الحافظ أنه بالنظر إلى التصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، والتي أكد فيها أنّه "لا حلّ في سوريا إلا من خلال اللامركزية"، هذا الطرح، من منظور إدارة الصراع، لا يجد صدى إيجابياً لدى الإدارة الجديدة، لأسباب بنيوية وأيديولوجية وسياسية عميقة، وفق تعبيره.
وقال الحافظ في حديثه لـ "إرم نيوز" إن السلطة الانتقالية، تستند في بنيتها الأساسية إلى تحالفات فصائلية دينية ومسلّحة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام التي تقود المشهد عملياً، والتي تنظر إلى مفهوم اللامركزية لا بوصفه آلية لتوزيع السلطة وضمان التعددية، وإنما كتهديد محتمل لوحدة "السلطة الدينية –السياسية" التي تسعى إلى تكريسها.
وتالع أن "اللامركزية تُخضع مركز القرار للتفكيك، وتُضعف من سطوة المرجعية الدينية المركزية، ما يتناقض مع النزعة "الأحادية" التي تحكم هذا النمط من الحكم".
وأشار إلى أن اللامركزية عملية معقّدة تتطلب دستوراً توافقياً، وأحزاباً حقيقية، وقضاء مستقلا، وآليات رقابة ومحاسبة شفافة.
وأضاف أنه "في الحالة السورية الجديدة، لا تزال السلطة الانتقالية تُدار بمنطق "مجلس الشورى" المغلق، أو عبر توافقات بين قيادات أمنية – عسكرية – شرعية".
ولفت إلى أن الشروط الأولية لتحقّق اللامركزية لم تُبنَ بعد، بل إن مجرد النقاش حول توزيع السلطات يبدو بالنسبة للبعض وكأنه تشكيك بمشروعية "الفتح السياسي" الذي تحقق بعد سقوط النظام.
واعتبر أن منطق السلطة الحالية مناقض جوهرياً لفكرة اللامركزية، التي تتطلب نقل القرار والخدمة والموارد إلى الهيئات المحلية المنتخبة، لذلك، فإن أي طرح للامركزية يُقرأ ضمنياً كمشروع لتقويض شبكة الولاءات التي ضمنت الاستقرار السياسي المؤقت للإدارة الحالية.
من جانبه، قال المحلل والباحث السياسي، محمد هويدي، لـ "إرم نيوز" إن اللامركزية التي تُطرح هي نظام حديث ومتطور للدول المتقدمة، وهي نوع من إدارة الدولة بما يحقق مصالح الجميع دون إقصاء أي أحد.
واستدرك: "لكن في ظل مجتمع متنوع كالمجتمع السوري تُعتبر اللامركزية مخرجاً وحلاً جيداً للحفاظ على وحدة البلاد".
وأوضح أن "السلطة الحالية التي تبدو إلى الآن غير قادرة على إدارة مناطق محدودة، ترى في اللامركزية تقويضا لسطلتها وصلاحياتها، وتخشى بأن هذا النموذج يؤدي إلى حالة من التوازن مع السلطات في سوريا".
وأشار إلى أن التحدي الآخر هو العامل الخارجي وتحديداً التركي الذي يريد إفشال أي نموذج متقدم حديثاً في سوريا، يشارك فيه جميع المكونات ويصر على اللون الواحد الذي يلقى قبولاً تركياً، لكنه لا يلقى قبولاً لا غربياً ولا أمريكياً، وفق قراءته.