ليست الصدفة وحدها هي التي جعلت من موعد قدوم الحفيد الحادي عشر للرئيس دونالد ترامب يتزامن مع نهاية جولته الشرق الأوسطية التي شملت دول السعودية وقطر والإمارات، لكنها في كل حالاتها إشارة أخرى إلى عمق العلاقة الأمريكية الخليجية في اللحظة الحاضرة، وانعكاساتها المستقبلية على التحالف الثنائي الوثيق بين واشنطن وشركائها الإقليميين في أبوظبي والرياض والدوحة.
وليس جديدا الإشارة هنا إلى الحفيد الجديد للجد دونالد ترامب من ابنته الصغرى تيفاني وهو من أصول عربية، وهذا أمر آخر يحمل من دلالات التقارب العربي بالرئيس ترامب الكثير من المعاني؛ والد الحفيد اللبناني الأصل مسعد هو ابن كبير مستشاري الرئيس ترامب لشؤون الأوسط وإفريقيا، وهي المهام التي كُلف بها الصهر مسعد الذي كان قبل ذلك أحد الوجوه البارزة في حملة ترامب الانتخابية ومفتاحها الأساسي في التواصل مع الأمريكيين من أصول عربية، وكذلك المسلمين الأمريكيين، وهي الأقلية التي صنعت فارقا جوهريا في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بتصويتها لصالح ترامب، في مخالفة تاريخية لخيارها التقليدي بالتصويت عادة لفائدة الديمقراطيين.
ترامب، ومن أبوظبي وقبل وقت قليل من موعد مباشرته رحلة العودة إلى واشنطن، قال إنه سيعود إلى بيته لقضاء بعض الوقت مع الحفيد الجديد قبل أن يعاود العمل من مكتبه البيضاوي.
وقبل أن يحدث ذلك هناك حديث على مدار الساعة بالعاصمة واشنطن عن الزيارة التاريخية، التي قادت ترامب إلى عواصم دول توصف بالحليفة التقليدية والتاريخية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، عن أهمية هذه الزيارة بالنسبة للولايات المتحدة على أكثر من جبهة واحدة وخاصة الاقتصادية والسياسية.
خريطة اقتصادية عالمية جديدة
يقول مقربون من إدارة الرئيس ترامب لـ"إرم نيوز"، إن فريق ترامب أراد من خلال سلسلة الاتفاقات الاقتصادية وأحجام الاستثمارات الاقتصادية الهائلة مع الحلفاء في منطقة الخليج أن يرسل رسالة متعددة الاتجاهات.
الأولى في اتجاه القوى المنافسة عالميا بأن الولايات المتحدة ترفع بالتعاون مع شركائها الأقوياء نسق السرعة عاليا من خلال تعزيز العلاقة الاقتصادية، ورفعها إلى المستوى التنافسي الأعلى من خلال العقود الكبيرة وتوسيع حجم الاستثمارات في الولايات المتحدة، وكذلك تعزيز الشراكة الثنائية بجعلها شراكة دائمة يتجاوز تأثيرها المستوى المشترك على المستوى الإقليمي ومن وراء ذلك العالمي.
والرسالة الثانية هي أن التعاون الأمريكي الخليجي فتَح الباب واسعا أمام خطوات نقل مستوى المنافسة الاقتصادية العالمية إلى مستوى أعلى بكثير من خلال جعل المركز والمحور في الاتفاقات الموقعة يرتبط بالصناعات المستقبلية والتكنولوجيا الحديثة، وفي مقدمتها المركبات الكهربائية الذاتية الدفع وأبحاث الفضاء ومجالات صناعة الرقائق والذكاء الصناعي.
ويقول المقربون من إدارة ترامب، إن هذه الإدارة من خلال هذا التوجه تريد أن تراهن على المستقبل في العلاقة الأمريكية الخليجية؛ لأن المجالات الاقتصادية التقليدية بين الجانبين عميقة وممتدة في تاريخ الحليفين، وأن التوجه الحالي هو توجه في جانبه الأول تنافسي مع الغرماء الاقتصاديين وفي الجانب الآخر هو توجه مستقبلي.
وأما الرسالة الأخرى فهي إلى غرماء الولايات المتحدة بتجديد التأكيد على صلابة العلاقة الأمريكية وحلفائها الإقليميين في المنطقة ومركزية هذه العلاقة ليس فقط في رسم المرحلة الحالية من مشهد العلاقات الدولية، ولكن بجعل آثار هذه اللحظة التاريخية تمتد لعقود قادمة في تاريخ الجانبين ومن وراء ذلك بقية العالم لأن الاستثمار في مجالات التكنولوجيا الحديثة هو استثمار في المستقبل.
ورغب الرئيس ترامب خلال جولته إلى العواصم الثلاث في إظهار تلك المتانة القوية في علاقات واشنطن وأبوظبي والرياض والدوحة لبقية العالم، يقول المقربون إن ترامب حرص أن يرسل هذه الرسالة إلى بقية العالم باختياره دول المنطقة لتكون مفتاح نشاطه الرئاسي الدولي، وكذلك كانت الخطة الأصلية لترامب منذ إعلان عودته إلى البيت الأبيض في نوفمبر/ كانون الثاني الماضي، هذا الاختيار هو جزء من رؤية استراتيجية لهذه الإدارة في جعل هذه المنطقة مركزا في رؤية ترامب للسياسات الدولية في فترة السنوات المقبلة من عمر إدارته.
إشارات مبكرة وتوجهات معلنة
في وقت مبكر من عمر هذه الإدارة أرسل ترامب مبعوثيه إلى العواصم الثلاث، وجعلها نقاط عبور أساسية في مساعيها لوضع حلول لأزمات المنطقة المحلية سواء منها قطاع غزة أم جنوب لبنان أم اليمن، وكذلك العلاقة مع إيران فيما يتصل بالملف النووي.
في جميع هذه الملفات حرصت إدارة ترامب على أن تجعل من الحلفاء الإقليميين شركاء فاعلين في إدارة هذه الملفات، ولكن الصورة اتضحت أكثر عندما اختار الفريق الدبلوماسي والأمني للإدارة الأمريكية دول المنطقة لتكون محطة المساعي الأمريكية للتوصل إلى اتفاق في غرب أوكرانيا، وكذلك الأمر عندما تم اختيار عُمان لمشروع الوساطة في الملف النووي الإيراني وكذلك في الحرب مع ميليشيا الحوثيين في اليمن.
هناك رهان كبير يريده الرئيس ترامب من خلال العلاقة مع الحلفاء في المنطقة بالارتقاء بالعلاقة الثنائية بين العواصم الثلاث وواشنطن إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية السياسية، وهو الأمر الذي تجسد بصورة واضحة للعيان خلال الزيارات المتتابعة للعواصم الثلاث والخطابات التي ألقاها ترامب في أبوظبي والرياض والدوحة، وإظهار تقديره للقيادة في الدول الثلاث وما تحقق في الدول الثلاث من إنجازات في مختلف المجالات.
منطقة الخليج العربي بدلا عن أوروبا
لم يفت المقربين من فريق ترامب التوضيح لـ"إرم نيوز" التصور الذي تضعه هذه الإدارة في حسابها، وهو تصور مرتبط بإعادة رسم خريطة الأولويات في التحالفات التقليدية للولايات المتحدة، إذ جرت العادة مع الرؤساء الأمريكيين أن تكون الأولوية دائما للعلاقة مع الحلفاء الأوروبيين، وعلى أن تكون القارة العجوز المحطة التقليدية الأولى في الزيارات الرمزية الأولى لهم عند استلامهم السلطة في البيت الأبيض، ووراء ذلك تاريخ طويل من الأحداث والتحوّلات في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
الرئيس ترامب وللمرة الثانية على التوالي وفي مطلع ولايته الثانية اختار أن تكون دول الخليج هي محطة زياراته الأولى تماما كما فعل في مستهل ولايته الرئاسية السابقة، ولكن هذه المرة بأهداف أكبر وبرؤية سياسية بعيدة المدى وعميقة الرهانات المستقبلية.
التوقيت الذي اختاره ترامب لهذه الزيارة يعد توقيتا عاصفا في العلاقة الأمريكية الأوروبية بسبب الخلافات العميقة المرتبطة بملفي الرسوم الجمركية والحرب في أوكرانيا، وفيما عدا تلك الزيارة التي فرضها رحيل البابا فرانسيس إلى العاصمة الإيطالية روما لا يزال الرئيس ترامب حتى الآن دون أي خطط معلنة لزيارة أي من عواصم الحلفاء التقليديين في القارة الأوروبية.
خلافات ترامب مع الأوروبيين ليست ولادة أزمتي الرسوم والحرب في أوكرانيا، ولكنها تعود إلى سنوات ولايته الأولى في البيت الأبيض، وبعضها ظل قائما من غير حلول حتى مع نهاية الولاية الأولى وتجدد مرة أخرى في مطلع الولاية الثانية، ويظهر ذلك بصورة خاصة فيما يتصل بالخلاف بشأن تمويل الحلف الأطلسي بين واشنطن وحلفائها فيما وراء الأطلسي.
هذا التوقيت الصعب في العلاقة الأمريكية الأوروبية، يقول المقربون، إن ترامب يخالف فيه جميع أسلافه في البيت الأبيض بنقل المركزية في التحالفات الأمريكية الخارجية إلى دول الخليج بدلا عن الأصدقاء التاريخيين في أوروبا.
كان واضحا ذلك الرهان من قبل الإدارة الحالية على دول المنطقة بأن تكون الشريك الأساسي في معالجة ملفات ذات أبعاد عالمية وإقليمية منها الحرب في أوكرانيا والملف النووي الإيراني ومستقبل السلام في منطقة الشرق الأوسط برمتها.