غادرت ميليشيا حزب الله اللبنانية ما عُرف بـ"جبهة إسناد" قطاع غزة التي فتحتها أذرع إيرانية في المنطقة بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي شنته حركة حماس على جنوب إسرائيل، بينما تستمر الصواريخ من "جبهة الجنوب" في اليمن إلى تل أبيب وغيرها، عبر ميليشيا الحوثي.
وتبرز عدة عوامل جغرافية وسياسية وتنظيمية وراء خروج حزب الله من "الجبهة" بعدما مني بخسائر فادحة على مستوى القيادات، كان أبرزها رأس التنظيم، الأمين العام السابق، حسن نصر الله، بينما يحيط الغموض بخسائر ميليشيا الحوثي المتحصنة بجغرافيا معقدة، كما لم تخسر بعد قائدها، عبد الملك الحوثي.
في ذروة الحرب، صرّح حسن نصر الله بأن "نقل نهر الليطاني إلى الحدود مع إسرائيل أسهل من إرجاع الحزب إلى شماله، وأن جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف النار في غزة".
لكن بعد أسابيع قليلة من اغتياله، وافق حزب الله على شروط التسوية مع إسرائيل، التي تلزمه تفكيك ارتباطه بجبهة غزة، وتراجعه إلى شمال نهر الليطاني، بل إن الحزب لم يرد على خروقات تل أبيب لوقف إطلاق النار والتي أدت إلى مقتل مئات المدنيين والعشرات من قادة ومسلحي الحزب.
ومن أبرز أسباب خروج حزب الله من الصراع، الضغوط العسكرية غير المسبوقة التي تعرّض لها، والتي أدت إلى خسائر فادحة في صفوفه، وهي بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" تخطت 3 آلاف مقاتل، فضلاً عن عشرات القادة العسكريين والسياسيين، كثير منهم من القادة التاريخيين للحزب.
وشكّل الفراغ الكبير على مستوى القيادة بعد اغتيال أبرز رأسين، نصر الله، والرجل الثاني بعده، هاشم صفي الدين، تأثيراً حاسماً في تراجع حزب الله عن الاستمرار بالحرب، خصوصاً مع إسناد منصب الأمين العام إلى قاسم نعيم، المفتقد لـ"كاريزما" حسن نصر الله.
كما شكّلت الخسائر البشرية والاقتصادية التي أصابت البيئة الحاضنة للحزب من الطائفة الشيعية، سواء في مدن وقرى جنوب لبنان، أو في معقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، عاملاً مهماً في اتخاذ الحزب قرار الانسحاب، مع تقدير البنك الدولي للأضرار السكنية في لبنان بنحو 2.8 مليار دولار، مع تدمير أكثر من 99 ألف وحدة سكنية.
أما إجمالي الخسائر الاقتصادية في لبنان فقد بلغت نحو 8.5 مليار دولار، مع توقع انكماش الناتج المحلي بنسبة 5.7% في عام 2024، فيما كانت الخسائر البشرية تقترب من 4 آلاف قتيل وإصابة 15699، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية.
ومثّل الاختراق الكبير الذي حققته إسرائيل في الهيكل التنظيمي للحزب، عاملاً إضافياً مسرّعاً، وهو الذي عزته تقارير صحفية دولية إلى مشاركة حزب الله في الحرب الأهلية السورية التي كشفته تنظيمياً، وتجلى ذلك في ما عُرف بـ"عملية البيجر"، عندما فجّرت إسرائيل آلاف أجهزة النداء المفخخة في وقت متزامن، ما أدى إلى مقتل 42 ونحو 3 آلاف إصابة شديدة أغلبها تسببت بعاهات مستديمة.
ووفق مراقبين، فقد أدت كل الخسائر العسكرية والتنظيمية الفادحة للحزب إلى إضعافه سياسياً على الجبهة الداخلية، ليتم انتخاب رئيس جمهورية بعد تعطيل طويل، وغير موال لحزب الله للمرة الأولى منذ عقود، كما أُجبر الحزب على التفاوض على نزع سلاحه، وهو ما كان محرّما ومستبعداً قبل أعوام قليلة.
في المقابل، بقيت ميليشيا الحوثي في اليمن وحيدة في ما عُرف بـ"جبهة الإسناد"، بعد انسحاب حزب الله، والخفوت التدريجي لمساهمة الميليشيات العراقية التابعة لإيران، إثر التهديدات الجدية التي أطلقها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فور عودته إلى البيت الأبيض.
ورغم القصف الثلاثي، الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني أحياناً، لم تتراجع الميليشيا عن استهداف الممرات المائية المؤدية إلى إسرائيل، كما أنها تواصل ضرب مدنها حتى العاصمة تل أبيب.
ويُعزى بقاء الحوثي وحيداً في "جبهة الإسناد" إلى كل الظروف "المعاكسة" التي عانى منها حزب الله، إذ تسيطر الميليشيا بحكم سلطة الأمر الواقع على مساحات واسعة من اليمن، فارضة حكماً استبدادياً يحد من أي مظاهر احتجاج أو ضغط شعبي.
كما ساعدت الجغرافيا الصعبة والمعقدة لجبال اليمن في إشاعة الكثير من الغموض حول الخسائر البشرية والعسكرية للميليشيا التي لا تزال تحتفظ بهرمها القيادي، إضافة إلى أن البعد الجغرافي عن إسرائيل ساهم في "فتور" همة تل أبيب في استهداف الحوثيين بالقوة التي ضربت بها حزب الله.