رأى خبراء وسياسيون عراقيون أن مقاطعة التيار الصدري للانتخابات البرلمانية ستترك فراغًا واضحًا في الخريطة السياسية العراقية، خصوصًا في المكون الشيعي.
وتتصاعد حملات المقاطعة التي يقودها زعيم التيار مقتدى الصدر عبر منشورات وتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول مراقبون إن موقف الصدر الثابت منذ عام 2022 بالانسحاب من العملية السياسية، حرم القوى الشيعية من أحد أكبر خزاناتها الجماهيرية، وأربك حسابات الكتل المنافسة في بغداد والمحافظات الجنوبية.
كما أن غياب التيار الذي كان يملك انضباطاً تنظيمياً واضحاً في الانتخابات السابقة، قد ينعكس على نسب المشاركة ويضعف ثقة الشارع بالعملية السياسية برمتها.
وفي هذا السياق، أوضح الباحث والأكاديمي خالد العرداوي أن "غياب التيار الصدري سيترك تأثيره في المعادلة السياسية الشيعية أولاً، والعراقية ثانياً، بالدرجة الأساس في المناطق المختلطة مثل بغداد والبصرة وديالى وكركوك، حيث سيكون المستفيد من هذا الغياب بعض القوى السياسية من المكونات الأخرى".
وأضاف العرداوي لـ"إرم نيوز" أن "ائتلاف الإعمار والتنمية برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني هو أحد أبرز المستفيدين"، مؤكدا أنه "لولا غياب التيار الصدري لكانت حظوظه وطموحاته أقل بكثير مما نراه اليوم، وكذلك الحال بالنسبة للقوى السنية، لا سيما تحالف تقدم".
وأشار إلى أن "غياب التيار سيؤدي إلى انخفاض ملحوظ في نسبة الإقبال على الانتخابات، وقد ينقل الفاعلية السياسية من البرلمان إلى الشارع، ما يعني دورة غير مستقرة".
وبحسب معطيات ميدانية أولية، فإن نسب المشاركة في بعض المحافظات الجنوبية ما تزال متدنية رغم الحملات الحكومية والإعلامية لحث الناخبين، فيما يتوقع أن تشهد العاصمة بغداد تراجعاً ملموساً في الحضور الانتخابي، خاصة في مدينة الصدر التي تمثل الثقل الشعبي الأكبر للتيار.
ويرى مختصون أن الانسحاب الصدري المستمر منذ نحو ثلاث سنوات أفرز مشهداً سياسياً غير متوازن داخل البيت الشيعي، وأتاح لبقية القوى، وفي مقدمتها الإطار التنسيقي، فرض سيطرة شبه كاملة على مفاصل الدولة، لكن هذه السيطرة لم تترجم إلى استقرار سياسي أو إنجاز حكومي ملموس.
وبحسب قادة وزعماء سياسيين، فإن القوى الشيعية ستخسر نحو 5 إلى 7 مقاعد في بغداد لمصلحة أحزاب ممثلة للمكون السني، نتيجة غياب المنافس الصدري الذي كان يحقق نسب تصويت مرتفعة في مناطق مختلطة داخل العاصمة.
في هذا السياق، أوضح المحلل السياسي علي السامرائي أن "الشعب يحدد مصيره عبر المشاركة في الانتخابات، فالمقاطعة وإن كانت خياراً بحد ذاتها، إلا أنها لا تنتج قواعد حقيقية للعمل والتمثيل والتغيير".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "غياب القوى السياسية الفاعلة عن المشهد يمنح المنافسين فرصة التمدد والسيطرة على مفاصل الدولة، وهو ما نشهده حالياً في ظل تراجع التيار الصدري عن خوض الانتخابات المقبلة".
ومع تصاعد حملات المقاطعة التي ينظمها أنصار الصدر، يبرز جدل داخل الأوساط الشيعية حول جدوى البقاء خارج البرلمان مقابل فقدان التأثير التشريعي، إذ يرى فريق داخل التيار أن الانسحاب أصبح "موقفاً مبدئياً" من نظام فاسد، فيما يعتقد آخرون أن استمرار الغياب قد يضعف أدوات التيار في مواجهة خصومه.
من جانبه، قال المقرب من التيار الصدري رافد العطواني إن "قرار الانسحاب جاء بعد أن نكثت قوى الإطار التنسيقي وعودها بشأن حكومة الأغلبية، فلجأ الصدر إلى حقن الدماء وترك العملية السياسية بشقيها التنفيذي والتشريعي"، مضيفاً أن النتائج كانت "سيئة جداً بشهادة الآخرين"، وفق قوله.
وأضاف العطواني لـ"إرم نيوز" أن "وجود التيار خارج السلطتين التنفيذية والتشريعية أفضل من دخوله في عملية سياسية معطوبة"، بحسب وصفه.
وقال إنه" تحرر من اتهامات الفساد والمحاصصة، وأصبح يمثل الكتلة المعارضة الأوسع تأثيراً في الشارع"، مشيراً إلى أن "غياب نوابه سيجعل البرلمان المقبل ذا كفة واحدة بلا صوت معارض، ما يهدد بتكرار سيناريوهات الانسداد السياسي السابقة".
ويبدو أن موقف التيار الصدري سيظل عاملاً حاسماً في رسم ملامح المرحلة المقبلة، سواء من خارج البرلمان أو عبر الشارع الذي يمثل إحدى أدواته المؤثرة.
وبينما تستعد القوى السياسية لاقتراع 11 نوفمبر تشرين الثاني، تبقى طبيعة المشاركة الشعبية، وفق مراقبين، مرهونة بقدرة الأحزاب الممثلة للمكون الشيعي على تعويض الغياب الصدري، أو التكيف مع فراغه الذي يعيد خلط أوراق المشهد السياسي العراقي من جديد.