قد تبدو المفاضلة بين استخدام المصعد أو صعود السلالم مسألة راحة أو سرعة، لكن الباحثين يؤكدون أن هذا القرار البسيط يحمل فوائد صحية كبيرة وطويلة الأمد للجسم والعقل على حد سواء.
وتشير دراسات حديثة، وفق تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إلى أن كميات متواضعة من صعود السلالم، مثل بضع درجات يوميًا، يمكن أن تحسن اللياقة القلبية العضلية، وتقوّي العضلات، وتعزز الأداء العقلي.
وعلى عكس التمارين الرياضية في النوادي، فإن صعود الدرج متاح للجميع ومجاني، ويمكن دمجه بسهولة في الروتين اليومي في المنزل أو العمل أو الأماكن العامة.
وقالت أليكسيس ماركوت-شينار، زميلة ما بعد الدكتوراه في الصحة القلبية بجامعة كولومبيا البريطانية: "إنه تمرين يستطيع غالبية الناس ممارسته لأنه متوفر في بيئتهم اليومية، ويقومون به تلقائيًا“.
فوائد جسدية بلا ناد رياضي
ويُعد صعود السلالم تمرينًا منخفض التأثير وعالي الجهد، حيث يرفع معدل ضربات القلب واستهلاك الأوكسجين أكثر من المشي السريع، بسبب مقاومة الجاذبية. كما ينشط عضلات الجزء السفلي من الجسم، خاصة عضلات الفخذ والساق، إلى جانب عضلات الجذع التي تثبت الجسم أثناء الحركة.
وتُظهر الأبحاث أن صعود السلالم يعزز التوازن، ويقوّي عضلات الجزء السفلي من الجسم، ويقلل خطر السقوط بين كبار السن. كما يُسهم في تحسين اللياقة القلبية التنفسية، ويقلل خطر الإصابة بأمراض القلب.
ووجدت إحدى الدراسات أن صعود أكثر من 5 طوابق يوميًا (نحو 50 درجة) يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بتصلب الشرايين، وهو مرض ناتج عن تراكم الترسبات في الأوعية الدموية.
ومن اللافت أن العضلات تنشط بطرق مختلفة بحسب اتجاه الحركة. فالصعود يتطلب تقلصًا عضليًا مركزًا (يحتاج لطاقة أكبر)، بينما النزول يتطلب تقلصًا غريبًا، حيث تتمدد العضلات أثناء مقاومة الوزن، مما يحفز نموًا عضليًا بعد التمرين ويزيد من حرق السعرات الحرارية على المدى الطويل بسبب عملية ترميم الأنسجة.
دفعة ذهنية خلال دقائق
إلى جانب الفوائد البدنية، تشير دراسات إلى وجود روابط قوية بين استخدام السلالم وتحسن في الأداء العقلي. فقد أظهرت دراسة بقيادة أندرياس ستينلينغ، أستاذ علم النفس بجامعة أوميو في السويد، أن جلسات قصيرة من صعود السلالم تحسن القدرة على "التحول المعرفي"، أي التبديل السريع والفعال بين المهام الذهنية.
وقال ستينلينغ: "القدرة على التحول وكبح المشتتات مهمة للتعلم وحل المشكلات والتركيز". كما رصدت دراسته تحسنًا فوريًا في المزاج وزيادة في النشاط بعد صعود السلالم.
وفي دراسة من جامعة ياماغوتشي اليابانية، تبين أن المشاركين الذين صعدوا طابقين أدّوا أداءً أفضل في اختبارات حل المشكلات مقارنة بمن استخدموا المصعد. وأظهرت دراسة أخرى للفريق ذاته أن نزول السلالم أدى إلى زيادة بنسبة 61% في التفكير الإبداعي مقارنة باستخدام المصعد.
ويرجح الباحثون أن هذه التحسينات ناتجة عن زيادة تدفق الدم إلى الدماغ، وإفراز مركبات كيميائية عصبية مثل عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، الذي يدعم الوظائف الإدراكية وتكوين الذاكرة.
مفهوم "التمارين القصيرة" يكتسب زخمًا
وتُعد أبحاث ماركوت-شينار جزءًا من اهتمام متزايد بمفهوم "الوجبات الرياضية القصيرة“، أي دفعات نشاط قصيرة لا تتجاوز الدقيقة وتُكرر على مدار اليوم. وصعود السلالم نموذج مثالي لهذا النوع. ففي تجربة ميدانية على موظفين، فضّل 71% منهم تقسيم صعود 60 درجة على 3 جولات قصيرة بدلًا من القيام بها دفعة واحدة.
وقالت ماركوت-شينار: "من الأسهل بالنسبة لهم الصعود والنزول مرة واحدة، ثم العودة للجلوس، ومع تكرارها خلال اليوم يشعرون بمتعة أكبر من أداء التمرين دفعة واحدة“.
ورغم أن هدف المشي 10 آلاف خطوة يوميًا لا يزال شائعًا، تشير دراسات إلى أن تحديد أهداف خاصة بالسلالم قد يكون أكثر فاعلية. وتشير البيانات الحالية إلى أن صعود 5 طوابق أو أكثر يوميًا قد يشكل معيارًا مفيدًا لتعزيز صحة القلب.
الوصول والقيود
ورغم فوائدها، لا تناسب تمارين صعود السلالم الجميع. فالأشخاص الذين يعانون من التهاب المفاصل في الركبة أو مشاكل في الحركة قد يشعرون بالألم أو يجدون صعوبة في ذلك.
كما تؤثر العوامل الاجتماعية والسلوكية على قرار استخدام السلالم، إذ تُظهر الدراسات أن النساء والأشخاص الذين يعانون من السمنة أقل ميلًا لاختيار السلالم عندما يتوفر المصعد.
وهناك أيضًا نقاش علمي بشأن ما إذا كان صعود السلالم وحده يوفر نشاطًا بدنيًا كافيًا للوقاية من الوفاة الناتجة عن أمراض القلب. ومع ذلك، يرى الباحثون أن صعود السلالم يظل خيارًا فعّالًا ومتاحًا ومهمشًا في كثير من الأحيان كوسيلة يومية لممارسة الرياضة.
سواء كنت تطمح لتحسين لياقتك أو تنشيط ذهنك أو رفع مزاجك، فإن الطابق التالي قد يكون أقرب مما تتصور. فصعود السلالم قد يكون الخطوة الصحيحة نحو نمط حياة أكثر صحة.