كشفت مراجعة شاملة لـ21 دراسة حديثة أن الاستخدام المنتظم لمنتجات إزالة البقع المنزلية يزيد من خطر الإصابة بمشاكل في الجهاز التنفسي بنسبة 50%، مع تصدر النساء والأطفال لقائمة الفئات الأكثر عرضة للخطر.
وبحسب تقرير نشره موقع "جورنيه-مونديل"، تحتوي هذه المنتجات الشائعة على مواد كيميائية مثل مركبات الأمونيوم الرباعية، والكلور، والمركبات العضوية المتطايرة (VOCs)، والتي رغم فعاليتها في إزالة البقع، قد تسبب أضراراً كبيرة للجهاز التنفسي.
ويحذر خبراء السموم من أن هذه المواد الكيميائية تتحول إلى جزيئات دقيقة في الهواء عند الرش، تصل إلى أعماق الرئتين خلال ثوانٍ معدودة، مسببة نوبات ربو أو تفاقم الحالات الموجودة مسبقاً.
تحدث الأضرار التنفسية عبر ثلاث آليات رئيسية. أولها تلف الظهارة التنفسية، حيث تعمل مواد مثل الكلور والأمونيا على تآكل الطبقة الواقية في مجاري التنفس، ما يخلق جروحًا مجهرية تسمح للحساسية والسموم بالتغلغل أعمق، ما يثير استجابات التهابية تستمر لأيام.
وأظهرت دراسة أن التعرض لحمض الهيدروكلوريك في مواد التنظيف قد يقلل من قدرة الرئة على التنفس بنسبة تقارب 20% فور الاستخدام.
أما الآلية الثانية فهي تحسس الجهاز المناعي، إذ تحتوي بعض المعقمات ومنعمات الأقمشة على كلوريد البنزالكونيوم الذي يدرب الجهاز المناعي على رد فعل مفرط، ما يزيد من الحساسية مع كل تعرض متكرر، ويؤدي إلى ردود فعل تنفسية تحسسية حتى لدى الأشخاص الأصحاء سابقاً.
أما الآلية الثالثة فتتمثل في تراكم الإجهاد التأكسدي، حيث يسبب التعرض المتكرر لهذه المواد الكيميائية تراكم الجذور الحرة في أنسجة الرئة، ما يؤدي إلى تليف دائم وفقدان المرونة، وهو ضرر لا يمكن عكسه ويُفسر عدم تعافي بعض الأشخاص الكامل لوظائف التنفس بعد التعرض المستمر.
تُظهر النساء، وخاصة العاملات في التنظيف اليومي، انخفاضاً ملحوظاً في وظائف الرئة المرتبطة باستخدام منتجات التنظيف. ويزيد الاستخدام اليومي من خطر الإصابة بالربو غير المسيطر عليه بمعدل ثلاثة أضعاف، بينما الاستخدام الأسبوعي يضاعف هذا الخطر.
كما يواجه الأطفال الذين يتعرضون لمستويات مرتفعة من هذه المواد الكيميائية في الرضاعة المبكرة زيادة بنسبة 40% في احتمال الإصابة بالصفير المتكرر قبل عمر الثلاث سنوات. كما يُظهر مرضى الربو الحاليون ردود فعل حادة حتى عند أقل مستويات التعرض.
وبدأ المتخصصون في الرعاية الصحية بإدراك تأثير عادات التنظيف على صحة الجهاز التنفسي، حيث بات أطباء الرئة يدرجون تقييم استخدام منتجات التنظيف ضمن إجراءات إدارة الربو، على غرار الممارسات التي يتبعها أطباء الجلدية في التعامل مع حساسية الجلد.
يوصي الخبراء باتباع خطوات عملية للحفاظ على نظافة المنزل وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بمنتجات التنظيف المنزلية. أولى هذه الخطوات هي التوقف عن استخدام الرذاذ، حيث يُفضل استخدام أقمشة الميكروفايبر المبللة بالماء فقط، والتي تزيل 99% من البكتيريا دون الحاجة إلى مواد كيميائية ضارة قد تهيج الجهاز التنفسي.
كما يُنصح بتحسين التهوية أثناء التنظيف وبعده من خلال فتح النوافذ واستخدام المراوح. هذه الإجراءات تساعد في خفض تركيز المواد الكيميائية المتطايرة داخل المنزل بنسبة تصل إلى 80% خلال 15 دقيقة، ما يقلل من تعرض أفراد الأسرة لهذه المركبات الضارة.
بالإضافة إلى ذلك، يُفضل تنظيم أوقات التنظيف بحيث تتم عندما يكون أفراد الأسرة غير متواجدين في المنزل، مع الانتظار لمدة 30 دقيقة على الأقل قبل العودة إلى المناطق التي تم تنظيفها. هذه الممارسة تساعد في تقليل التعرض لبقايا المواد الكيميائية التي قد تسبب مشاكل تنفسية.
تقدم المنظفات القائمة على الإنزيمات، والخل الأبيض، وصودا الخبز، وعصير الليمون حلولاً فعالة لإزالة البقع والروائح دون إطلاق المركبات العضوية المتطايرة التي تهيج الجهاز التنفسي.
كما أن هذه البدائل تكلف أقل بنسبة 60% مقارنة بالمنتجات التجارية، وتوفر حماية أفضل للرئتين. إن استخدام هذه العلاجات اللطيفة غالباً ما يكون أكثر فعالية من المعالجات الكيميائية القاسية.
تمثل العلاقة بين منتجات إزالة البقع والربو قضية صحية عامة كبيرة لم تحظَ بالاهتمام الكافي. ومن خلال تبني عادات تنظيف أكثر أماناً واختيار البدائل غير السامة، يمكن للعائلات تقليل مخاطر الإصابة بمشاكل التنفس وتهيئة بيئة منزلية صحية.