كشفت دراسة جديدة نُشرت في مجلة "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" أن الصداقات التي تجمع بين أطفال من خلفيات جنسية أو عرقية مختلفة قد تشجعهم على التصرف بلطف أكبر تجاه أقرانهم المتنوعين.
وتشير النتائج إلى أن طلاب المرحلة الابتدائية الذين تربطهم علاقات صداقة بأطفال من جماعات سكانية مختلفة يميلون إلى إظهار سلوكيات اجتماعية إيجابية، مثل: المساعدة والتعاون، تجاه زملاء يختلفون عنهم.
وركزت الدراسة على أطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و11 عامًا من مدارس حكومية في جنوب غرب الولايات المتحدة. وشملت العينة 603 طلاب، توزعوا بشكل شبه متساوٍ بين الذكور والإناث، وكانت الغالبية من خلفيات عرقية مُهمشة.
وتم تقييم علاقات الأطفال الاجتماعية وسلوكهم في فترتين من العام الدراسي، الخريف والربيع، عبر ترشيح الأطفال لأصدقائهم المقربين وزملائهم الذين يعتبرونهم متعاونين.
واعتمد الباحثون على هذه الترشيحات لقياس الصداقات بين الجماعات والسلوك الإيجابي الموجه تجاه أقران يختلفون في الجنس أو العرق.
وأظهرت الدراسة أدلة قوية على ما يُعرف بـ"التأثيرات الأولية" للتواصل بين الجماعات. فقد كان الأطفال الذين لديهم عدد أكبر من الأصدقاء من الجنس الآخر أكثر عرضة لأن يُنظر إليهم على أنهم متعاونون من قبل زملائهم من الجنس الآخر.
وبالمثل، كان الأطفال الذين لديهم أصدقاء من خلفيات عرقية مختلفة يُعتبرون أكثر تعاونًا من قِبل أقران من أعراق أخرى.
وبقيت هذه الأنماط قائمة حتى بعد الأخذ بعين الاعتبار مستوى السلوك الإيجابي السابق وعدد الأصدقاء من الجماعة ذاتها.
كما تناولت الدراسة تأثيرًا إضافيًا يُعرف بـ"تأثير النقل الثانوي"، وهو ما إذا كانت الصداقات التي تُبنى عبر نوع واحد من الحدود الجماعية (مثل الجنس) تُشجع أيضًا السلوك الإيجابي تجاه جماعات أخرى (مثل العرق).
وأظهرت النتائج أن الأطفال الذين لديهم مزيد من الأصدقاء من الجنس الآخر لم يكونوا فقط أكثر تعاونًا مع هؤلاء الأقران، بل كانوا أيضًا أكثر ميلاً لمساعدة زملاء من خلفيات عرقية مختلفة، ما يشير إلى أن فوائد الصداقات بين الجماعات قد تتجاوز حدود الجماعة المباشرة.
وقالت الباحثة سونيا شينيو شياو، الأستاذة المساعدة في جامعة أريزونا الشمالية: "أظهرت الدراسة دعمًا قويًا نسبيًا لفوائد الصداقات مع أقران من الجنس الآخر في تعزيز السلوك الشامل". وأضافت أن "ذلك قد يعود إلى أهمية النوع الاجتماعي في تطور العلاقات الاجتماعية لدى الأطفال في هذه المرحلة".
لكن عند فحص الاتجاه المعاكس، أي ما إذا كانت الصداقات بين الأعراق تُعزز السلوك الإيجابي تجاه أقران من الجنس الآخر، كانت الأدلة أضعف. فرغم وجود ارتباط مبدئي، فإن هذا التأثير اختفى عند الأخذ في الاعتبار عدد الأصدقاء من الجنس الآخر.
بعبارة أخرى، بدا أن الصداقات بين الجنسين لها تأثير أقوى في توسيع سلوكيات اللطف لدى الأطفال مقارنة بالصداقات بين الأعراق.
كما درس الباحثون ما إذا كانت هذه التأثيرات تختلف باختلاف نوع الطفل أو خلفيته العرقية.
وبشكل عام، كانت الفوائد الإيجابية للصداقات المتنوعة ملحوظة عبر مختلف المجموعات، مع وجود استثناء واحد تمثل في أن تأثير الصداقات بين الأعراق في السلوك الإيجابي بين الجنسين كان أقوى بين الأطفال المنتمين لأقليات عرقية مقارنة بالأطفال البيض.
ومع ذلك، لم يصمد هذا النمط عند استخدام أدوات تحليل إحصائي أكثر صرامة.
وأقر الباحثون ببعض القيود في الدراسة، من بينها محدودية العينة من حيث الموقع الجغرافي، ودمج جميع الهويات العرقية المُهمشة في فئة واحدة، وهو ما قد يُخفي فروقات مهمة بين الأطفال من خلفيات إثنية مختلفة.
كما أشاروا إلى أن ترشيحات الأقران توفر لمحة مفيدة عن العلاقات الاجتماعية، لكنها قد لا تعكس بالضرورة عمق أو جودة الصداقات.
ورغم هذه التحديات، تؤكد الدراسة أهمية تعزيز العلاقات بين أقران متنوعين خلال مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة، وهي فترة لا تزال خلالها المواقف الاجتماعية قيد التشكل وقد تكون أكثر قابلية للتأثر.
وشدد الباحثون على أن التدخلات التي تُشجع الصداقات بين الجماعات يمكن أن تكون أداة فعالة في تعزيز التعاطف والاندماج بين الأطفال.